ثقافة شعبية

الخيال في الأدب الشعبي.. الشاعر عبد الحسين الحلفي إنموذجا

الخيال هو الارهاصات الفكرية والاحساسات الذاتية والتفاعلات المعنوية الوجدانية التي تكتسح مخيلة الشاعر والفنان التشكيلي والموسيقي حيث يكتب شعرا ويرسم لوحة ويعزف سمفونية.

طاف بالدنيا شعاع من خيال

حائر يسأل عن سر الليالي

احمد فتحي

الخيال لغة مشتق من الفعل الماضي: خال بمعنى حسب او اعتقد او ظن وخيل اليه:تعني تصور هكذا

اي ان التخيل هو التصور والمعنى اجمالا هو الرؤية الذاتية الحسية التصورية التي مصدرها فكر الانسان لامتلاكه صفة العقل حيث يأتي الخيال على شكل افكار في عرض تسلسلي تتعايش وتتفاعل وتصطرع فيما بينها فيسقط منها الغث ويبقى السمين حين تأتي الصور باهتة لا يرشحها العقل للظهور على شاشة التخيل ليصبح النقي منها ارهاصات داخلية واحساسات ذاتية وتفاعلات وجدانية معنوية تكتسح مخيلة الشاعر وتدغدغ فرشاة التشكيلي وتوسوس بين انامل الموسيقي فتكتب شعرا وترسم لوحة وتعزف سمفونية فيوفر هذا الثلاثي المرح حصيلة كبيرة في جعل مصادر التثقيف هذه تصب في معين الملتقي فترتفع ذاته محلقة في سماء الخيال وتمتع عينيه بلوحة لم ير قبلها احسن منها وتبتهج النفس باغنية (على شواطي دجلة مر يامنيتي وكت العصر)

فاخر الداغري

ان التخيل يتناسب طرديا مع مستوى ثقافة المتخيل نفسه ويخضع لمدى استيعابه لما قرأ وشاهد وسمع في تجربته الحياتية.
واذ ما رجعنا الى الماضي الموغل في القدم في عصور ما قبل التاريخ نجد ان الاسباب التي اعتمدت عليها الاسطورة هو التخيل حيث كانت الحياة تتطلب من العراقي القديم ان يوجد حالة من التوازن والانسجام مع ما يحيط به من بيئة شرسة فاستخدم الترويض الذاتي لتوفير قناعات التصديق وفق معتقد تصالحي بينه وبين الطبيعة، استمد مادته التخيلية من حالة السمو الفكري الذي ميزه عن الكائنات الحية الاخرى؛ الامر الذي جعل الاسطورة تساهم في تجميل الحياة وتمنحها مستوى دفاعيا يمد الانسان بمستلزمات الصمود تجاه ما يحدق به من تحديات.
وما وادي عبقر الذي هام به الشعراء بحثا عن الالهام الشعري الا واحد من نتاجات التخيل المستند الى تبرير مقنع بان الشاعر يتمكن من استلهام مكونات قصيدته من احد الملهمين له من الجن فيرفل متبخترا وقد امتلأ كيانه كبرياء واعتقد بان قوافي الشعر قد اناخت رحالها في ساحته وما عليه الا ان يطعمها حروفا وكلمات وجملا مفيدة ويصبها في احد القوالب من بحور الشعر العربي وهو بهذا التبرير كمن يدخن غليونا معتقدا مسبقا انه سيشعر بالراحة والابتهاج متناسيا انه هو وحده قد هيأ هذه الاجواء وعالجها بحس نفسي وان (التتن) لايغني ولايسمن من جوع بل هو مضر بالصحة العامة للمدخن.
ولعل الراحل الجواهري خير من تعامل مع الخيال كمصدر الهام حيث اسمى كريمته (خيال) من باب الاعتزاز به وبقاء التعايش معه من خلال اسم كريمته.
ولنا في اناخة الرحال في ساحة من ساحات الادب الشعبي بيت قصيد نحوم حوله عسانا نجد فيئا نستريح بظله ونتناول اقداحا ملأى بخيالات الشاعر الحلفي تروي الظمأ على ضفاف احد روائعه وعسانا نجد تفسيرا للاثبات بعد النفي الوارد في قصيدته (احبك مو لان انت حلو…لا) التي نشرت على ص24 في العدد 153 في 12/8/2010 من صحيفة (البلد الامين) التي تصدرها مديرية الاعلام في وزارة الداخلية.
ان قصيدة الحلفي عبد الحسين (احبك مو لان انت حلو…لا) كتبها الشاعر وفق تفرد لغوي بلاغي مبني على الاثبات بعد النفي حيث يقر الشاعر الحلفي بحبه اولا ثم ينفيه، الامر الذي ذكرني باغنية سيدة الغناء العربي ام كلثوم.
ما دام تحب بتنكر ليه
دا اللي يحب يبان في عنيه
لكن هذا الاتهام سرعان ما يتلاشى حين يستعرض الحلفي مواصفات الذكاء النوعية عند محبوبة فهو يشعر الاعمى حين يمر عليه ويطلق لسان الاخرس ويستحضر شخصية الراحل الفنان سيد مكاوي حين يهدر صوته (الارض بتتكلم عربي…الارض…الارض).
ثم يرمي الشاعر قلبه على سهام حبيبه رغم جراحه ويحذره من الاذى وحين تجرحه سهام الحبيب يدعو الى الرفق به حيث اختلط الدم ويريد ان يبقى الشاعر حيا ولو برمق ضعيف ليتولى عملية الدفاع عن الحبيب حين يتهم بانه هو الجارح ليأتي له بحكم البراءة من محكمة العدل التي يرأسها القاضي (كيوبيد).
القصيدة تطرح قيما انسانية عليا مصدرها الايثار والتضحية ونكران الذات والسماح والتسامحية والتضامن والتعاون واشاعة الفضيلة ودحر الانانية. ويستمر الحلفي في تساميه ويصل الى ان لايرى وجهه بالمرآة العادية بل يراها في وجه حبيبه الذي صار (مرايات) عديدة وهذه كناية بلاغية اخرى تعبر عن تعدد صفات حبيبه الفضيلة التي  يتمتع بها المحبوب.
وتتصاعد رهافة الحس عند الشاعر حين يرجو من حبيبه ان يشد رقبته بـ (كذلته) ليلتصقا روحين في جسد واحد تتجلى فيها المشاعر الوجدانية ويسقط الزمن في متاهات النسيان ليرددان مع فريد الاطرش (انا وانت لوحدنا حسودنا بحبنا).
القصيدة تفصح عن ان الشاعر الحلفي يحب الناس جميعا منطلقا من ان الحب قيمة انسانية عليا تساهم في بناء صرح الحياة المدنية وحبيبه هو الانموذج الذي جعله يحب الناس جميعا فهو اين ما يتجه يجده.. في الشوارع وامام وداخل بيته وقدامه وخلفه فهو يشبه غيره من الناس وهذا يعني ان الحلفي يتعامل بمقولة (من هويناكم هوينا الناس كلها) اي ان الحب يلغي الحقد والبغضاء والاثرة والانانية والانتهازية ويدعو الى التسامي الاخلاقي النوعي في التعامل مع مفردات الحياة اليومية.
وادناه اصل القصيدة وهلموا نستمتع بخيالاتها النوعية ونعيش قيم الحب مع الحلفي:
(احبك مو لان انت حلو…لا
لان روحي التقت كبلي ….ولك بيك
اذا انت تمر عل اعمى يصيح الله
والاخرس لون حاجيته يحاجيك
اذب كلبي اعلى سهمك وانه مجروح
واكلك دير بالك اخاف اذيك
اجرحني ولك بس كون عل كيف
لان انت ويه دمي وخاف ابديك
اجرحني ولك بس كون ما موت
حتى من يتهمونك ابريك
على المراية وكفت ما شفت وجهي
وشفت وجهك طلعلي وكمت احاجيك
وثبت بمرايتي وجهك مرايات
واباوع وجهها مرايتي بيك
بكذلتك شد ركبتي وطلع الروح
اريدنها بعد تتكرب اعليك
انت بحضني واكول بعيد
اريدن هيج كون انه انخبط بيك
بيا شارع مشيت كبلي الاكيك
ارد للبيت كبلي الكاك بالباب
اطب كبلي تطب وتكلي اتانيك
بغيرك فكرت كلت انه انساك
طلع غيرك يشبهك وفكرت بيك
طلع غيرك يشبهك وفكرت بيك
 

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان