ثقافة شعبية

قصيدة الشاعر علي عويّز أنموذجاً

احمد الشيخ ماجد 

للشعر الشعبي أهمية فائقة بالنسبة للقضية الحسينية, فهو يأتي للتعزية, والرثاء, والنعي, والتمجيد, والتغني بها كثورة تبعث على الفخر والعزة. والقصائد التي كتبت عن الحسين(ع) لاتنتهي عند حدٍ فهي تستمد قوتها من هذا المعين الرائع الذي بقي صوتاً صادحاً بالحق على طول التأريخ. سمعت مؤخراً قصيدة مغايرة للشاعر علي عويّز الشويلي في خصوص قضية الحسين (ع) وهي ناقمة على بعض الشعائر التي تجلب السمعة السيئة لثورة أبي عبد الله (ع) .  وكانت القصيدة تتضمن صورة واقعية من بعض الممارسات الاجتماعية المتفشية الآن, حيث يتكلم الشاعر عن استخدام الحسين (ع) في أوساط المجتمع العراقي, وفي مجالس العزاء التي تحدث كل عام بشكل مستمر. يبدأ الشاعر بوصف مأساة الطّف انه محيّر, ولا يسوغ لأيً كان ان يتكلم عنه كما يريد. وكذلك يسأل بعض الناس الذين ربما يتهموه عند سماع قصيدته التي انتقدت الواقع بجرأة قلَ نظيرها, لأن الشعراء دائماً, سيما (الشعبيين) يركبون الموجة مع المجتمع, ويكتبون وفق أهواء الناس. ان الشاعر لا يكترث لمن يتهمه, ذلك ان حبه لأبي عبد الله الحسين وثورته يجعله يبوح بما تختلج به نفسه من رفض لبعض الممارسات المشينة. يتساءل الشاعر في قصيدته متهكماً لماذا جعلنا من “لينين” و “جيفارا” وبعض الشخصيات مثلاً أعلى في اتخاذ بعض الأخلاق السامية التي ينشدها الناس, وتركنا الحسين فقط للقضايا التي يمليها علينا بعض الخطباء الذين لا يفكرون إلا  في جيوبهم  : (استوردّت “لينين” ثورة , استوردّت “جيفارا” ثورة , لأن حسيته اشتراكي وضد رأسمالية وظلم الخصم , وصدّريت حسين شنهي ؟ ثوب اسود, وتشابيه, وكتلوك يوّضح انواع اللطم!) يبدأ الشاعر منطلقاً بهذا السؤال الذي يفصح عن حرقة تجاه هذا الواقع المزري الذي نعيشه, فالحسين (ع) ينبغي أن تأخذ ثورته الدور الرائد في استلهام أجمل القيّم وأروعها, وكذلك يجب ان تكون صياغة ثقافة المجتمع الذي يدّعي حب الحسين من هذه الثورة التي يفترض بها ان تُعد مرتكز اساسي في تربية الأجيال, وتنشئتهم نشأة طيبة تنسجم مع ما ارادوه أهل البيت (ع) . وهذه الثقافة التي انتجها بعض الخطباء الذين يعتاشون على استنزاف دموع الناس, وإثارة عواطفهم بطريقة سمجة تجعل من الحسين واصاحبه عرضة للتشويه . والشاعر ينهي سؤاله بالقول هل ان هذا ما اراده الحسين الذي أتى مكملاً لطريق النبي محمد (ص)؟ فأنه وحسب ما يرى ان افعالنا اتجاه الحسين وثورته (فشلة من الرسول) . ثم ينتقل في قصيدته متكلماً عن نساء آل محمد : (راح اصفن مثل زينب من يمر طاري السبي , والقلم هيئة عليل  , عالورق يمشي دبي , حتى يرسملك بنات, رابيات في حضن اطهر نبي , الكلهن يسكتن اذا يبدر سؤال, يصيرن بوادي الخجل مثل الضباب , فشلة من روس الزلم فوكَ الرماح, همٌه سكته, وهنه اللي يردّن جواب!) في هذه الابيات يعرّج الشاعر على نساء الحسين (ع) ويرسم لنا صورة جميلة جداً عنهن, حيث يقول ان نساء الحسين لا يتكلمن ابداً إذا وجه سؤال لهن, حياءً وخجلاً من الرؤوس الطاهرة التي يعبث بها الظلمة, وهذه الصورة قد جاءت رداً على  الكثير من “الرواديد” والخطباء الذين صوّروا نساء أهل البيت في معركة الطّف على انهن جزوعات, قد انتهكت رياح الحرب سترهن, خصوصاً زينب (ع). وبهذا اذكر قول للشهيد مرتضى مطهري في كتابه الملحمة الحسينية كيف نقد هذه الحالة بشدة, ويقول انها قتل لثورة الحسين وظلم له (ع) ولزينب التي يقال أنها عالمة غير معلمة: (صوّروا زينب -الطود الشامخ- التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها على أنها امرأة جزعة بكاءة تثبط همة أخيها في الحرب، وتثنيه عن القتال!). ان هذا التصوير الذي يأتي من بعض ارباب المنابر قد جعل من هذه الثورة ذات طابع مأساوي, اضفى نمطاً ضيّقاً بسبب بعض الجهلاء الطارئين على الفكر الحسيني, وبهذا حاول الشاعر علي عويّز الشويلي ان يقول لهم : ان الحسين غير ماتعرفونه انتم, ليس ثواباً, وطعاماً يوزّع في عاشوراء ليتكدس على “المنهولات” وبعدها يبقى الفقراء يحلمون بلقمة العيش, ان الحسين (ع) قضية عجزت عقول الانسانية ان توصف كنهها, ولم يستطع احد الى الآن ان يكشف خفايا, واسرار هذه الثورة العظيمة, فكيف لها ان تختزل في بعض الشعائر التي لاتعدو إلا ان تكون موروثا شعبيا, أو عادات تعوّد الناس عليها : (من يمر طاري الحسين, المفترض تگطع نفس, والنظر يحتفظ بآخر لحظة بس, والاذان تعزّل وماتنفتح باب لحچاية نبي, وسنطة توگف لاتحرك ايد وتقدم قدم , واليمر مجبور يصرخ (ياسلاااام) , هذا يانحات المسوي الصنم!) . هو يعرف الحسين القائد الذي وقف امام اعداد هائلة يلج غمار الحرب بكل شجاعة واقدام, في سبيل تحقيق العدالة وإفهام الناس ان الحق لايمكن ان نقف امامه بصمت, كيف لا وهو ابن علي بن ابي طالب؟! هو يعرف الحسين الثوري الذي بقت ثورته سراجاً منيراً لكل من ينشد التحرر في العالم : ( ارجع ارسملك حسين الآنه اعرفه ,  قائد وثوري وعظيم , حسين مو جدر الهريسة, وجيس جدوم, وموكب تصوّره الحريم ). ثم يقول الشاعر ان فهم أبي عبد الله بهذه الطريقة تؤلمه, وتؤذي محبوه, ومن يريدون الحسين مثالاً لكل الاجيال, حتى أنني اذكر احمد الوائلي “رحمه الله” كان يخاطب الذين عرفوا الحسين فقط من جانب المأساة ويقول : “لا ترقصوا على جراحنا”. ويبرهن الشاعر على ان الحسين ليس “كسرى” انه من ثار لأجل الفقراء, وطالب بحقوقهم, انه قائداً للعدالة الاجتماعية التي ينشدها الانسان في العالم : (لا تعيشونه بألم حسين ما عايز ألم , حسين مو كسرى والف واحد خدم). هذه القصيدة وقفة رائعة جداً في خضم هذا الابتذال الادبي الحسيني الذي نشهده من الرواديد والخطباء الذين رسخوا في اذهان الناس على ان أبي الاحرار (ع) هو بكاء وسواد ومأساة وبذلك ابعدوا مبادئ الحسين التي أرادوا منها أهل البيت أن تكون سلوكاً, ومعيناً لكل من يروم ان يصل الى ذرى الحرية والمجد. علي عويّز في قصيدته جاء بأسلوب نقدي, وساخر من الذين يفهمون الحسين فهم قائم على افكارهم الضيقة التي يشوبها الجهل, والتخلف في القضية الحسينية. وهو قد ختم قصيدته بأبيات رائعة منها: (حسين لقطة لرحمة الله) فكيف للعقل البشري المحدود ان يصف رحمة الله ؟!.

 

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان