ثقافة شعبية

الشاعر الغنائي أبو سرحان رائد الاغنية العراقية … ذياب كزار صائغ الكلمات ومهذبها، المُحَدِث الأول في الأغنية العراقية

قاسم حسن

 واضطهد فيه المبدع الشاعر والكاتب والصحافي والفنان وكثرت فيه السجون والمعتقلات وازداد فيه المعتقلون..والأكثر من هذا طاردونا الى هنا، الى بيروت حيث الاغتيالات على قدم وساق.. ودعناه في وقت هدأت فيه اصوات المدافع وقصف الطيران في هدنة ساعات لاغير لاخلاء الجرحى والشهداء من ساحة المعركة … وهذا اتفاق المتحاربين وليس لشاعرنا فيه لاناقة ولاجمل.

اودعناه في سيارة ضمن قافلة من السيارات الخاصة والعامة … حاملا دفترين لاثالث لهما … جواز سفر ..وديوان شعر لم يكتمل بعد ..

ولد الشاعر ذياب كَزار (أبو سرحان) في مدينة البصرةعام 1946 وفي شبابه التزم الخط الوطني، حيث كان في مقدمة المناضلين بالدفاع والوقوف الى جانب المظلومين والمضطهدين من ابناء شعبه من العمال والفلاحين والناس الكادحين معززا ذلك بانتمائه والتزامه بخط الحزب الشيوعي العراقي ، إثر ذلك النضال بين الجماهير تم اعتقاله وهو مازال شابا دون الثامنة عشرة من عمره، دخل سجن (نكَرة السلمان) عام 1963 وكان أصغر المعتقلين سنا كما ذُكر ذلك في وثائق وسجلات الأمم المتحدة .

أتقن اللغة العربية وقواعدها في السجن بوجود مجموعة من المثقفين والسياسيين المناضلين.. ومنهم الادباء والشعراء أيضا كالنحامي والشاعر الفريد سمعان، والشاعر الكبير والمعروف مظفر النواب ، وهاشم الطعان وغيرهم … 

وبعد اطلاق سراحه واصل ( ابو سرحان) نضاله من خلال كتاباته المستمرة في النشريات ، ومن خلال عمله في الصحف والمجلات العراقية وكذلك في الاذاعة والتلفزيون أيضا مع نخبة من الكتاب والشعراء والصحافيين في جريدة طريق الشعب التي تصدر في بغداد في اوائل السبعينيات.. الى جانب مجموعة من خيرة الكتاب والصحافيين في ذلك الوقت منهم الكاتب والصحافي شمران الياسري ( أبو كَاطع )ورشدي العامل والفريد سمعان وسعدي يوسف وغيرهم ..

أصدر الشاعر ذياب كَزارالذي عُرف بأبي سرحان ديوانه الأول والوحيد (حِلم وتراب) في أوائل السبعينيات ، ساهم في المجموعة الشعرية المهمة والغنية بمضامينها ومن شارك فيها ديوان (أغانٍ للوطن والناس) والتي صدرت عام 1974 بمناسبة العيد الأربعين للشيوعي العراقي مع شعراء تلك المرحلة عريان سيد خلف ، شاكر السماوي ، فالح حسون الدراجي ، كامل الركابي ، كاظم غيلان ، ورياض النعماني ، رحيم الغالبي ، فاضل السعيدي وكامل الركابي وأسماعيل محمد، إضافة الى  الراحلين فالح الطائي ، كاظم الرويعي، وغيرهما. 

يُعد الشاعر من رواد شعراء الأغنية العراقية الحديثة في مرحلة انتعشت فيها الاغنية العراقية وعرفت برصانتها وجماليتها ، ومازال العراقيون يتناولون تلك المرحلة ويطلقون عليها ، (أغاني الزمن الجميل) كان عاشقا للوطن ، تواقا للحرية والحب والكلمة الشعبية والجميلة المنتقاة من الواقع ، وهو الشاعر الذي بقي في قلوب واذهان وضمائر الناس فقد اتخذ لنفسه طريقة جديدة في كتابة الاغنية ، ويعتبر ظاهرة جديدة حيث ابتكر أدواته التعبيرية ومفرداته التي استنبطها من الموروث الشعبي، وكانت أغانيه تعبر عن المعاناة اليومية للريف العراقي بصورة كاملة لطبيعة هذا الريف.

ان الاغاني التي كتب كلماتها الشاعر(ابو سرحان) مازالت راسخة في اذهان الناس يتذكرها العراقيون يوميا لما فيها من مساس بأحاسيسهم سواء في غربتهم او في وطنهم ومفرداته المميزة .. حيث النخلة، وطيبة أهله وبيوت الطين، والجنوب والاهوار والمكَذلات، وكَصايب البنات، وزفة العروس، وحديث الامهات وجلسات عتبات البيوت، وشاي أبو الهيل والشناشيل ودجلة والفرات والنذور وتسيير الشموع في النهر ( شموع الخضر) ليلا، والريل والديرة، وشدات الورد ،وحمرةالخدود، والليل والكَمره … الخ من تلك المفردات التي تلامس أحاسيس الناس .

مرة مرني الطيف نسمة على جنح 

وبلل عيوني بدمعتين الصبح

سولف بهيده على روحي الغافية

سوالف عرس

ڇانت الگذلة ذهب

ڇانت الدنيا كرستال وشمس 

مرة مرني الطيف وبثوبي الجديد

خضر بروحي گمر وهلال عيد

وآنه وصيته ووعدني وگال

نرجعلڇ سوه

ڇانت الدنيا ذهب

ڇانت الدنيا كرستال وضوه

***

مرة مرني الطيف مهرة مزلفة

وذب رجفته الباردة گليبي وغفه

ڇانت الگذلة ذهب

ڇانت الدنيا كرستال وقزح.

 

كما اشتهرت كلمات أغانيه بالرمزية والوطنية العالية والسياسية الناقدة والتي عرفت في مرحلة السبعينيات، بالعصر الذهبي للاغنية العراقية، تلك الفترة التي أثير فيها غضب النظام البائد.. فكان من أبشع قراراته ،عدم تداول ونشر النص الشعبي والعامي في الصحف والكتابات والاصدارات ومنع تلك الاغاني من الاذاعة والتلفزيون وهي المؤسسة الوحيدة و المتنفس الوحيد للعراقيين لسماعها لكن هذه الاغاني بقيت في أذهان الناس وضمائرهم،  تداولوها بطرقهم الخاصة والمبتكرة ويرددونها في كل المناسبات ..

( ابنادم . الگنطرة بعيدة . وشوگ الحمام) وغيرها …

حدر التراڇي برد والگنطرة ابعيدة

أمشي  وأگول اوصلت والگنطرة ابعيدة

حلمانه برد الصبح رجفت خلاخلها

يادفو… ڇمل دفو ياگمر ضويلهه

ياذهب خيط الشمس والدغش ماريده 

أمشي    وأگول  أوصلت والگنطرة ابعيده 

لا…. لا…. يبرد الصبح ماتحمل اڇفوفهه

ازغيره وڇواهه العشگ واتوسد ازلوفهه

هيمه وجحيل الوكت مالمني نفنوفهه

لوذي اعله باجي العمر ياروحي حدر ايده

أمشي  وأگول أوصلت والگنطرة بعيدة.

كما ان للشاعرمؤلفات في مجال الاوبريت والمسرح الغنائي في العراق بدأه منذ ان كان في البصرة ومنها ( بيادر خير ، والمطرقة)..

أبا   سرحان صائغ الكلمات ومهذبها .

العراقيون يتلمسون ويتحسسون تلك الكلمات التي مازالت تردد على مسامعهم ويستمعون اليها باختيارهم في هذا الزمن الذي تتسع فيه دائرة الاختيار نظرا للتطور الهائل في وسائل الاتصالات والشبكة العنكبوتية وبأصوات مطربين عراقيين كبار، مازال العراقيون يكنون لهم كل الاحترام والتقدير لما لهم من فضل كبير على الاغنية العراقية وانتشارها بكلماتها الرصينة وألحانها ، التي تركت بصماتها في اذهان الناس وضمائرهم .. ان هذه الاصوات كالمطرب فاضل عواد وسعدون جابر وفؤاد سالم ومائدة نزهت وسيتا هاكوبيان وحسين نعمة وياس خضر وحميد منصور … وغيرهم من غنوا كلمات الشاعر ( ابو سرحان) وغيره، تثير عند العراقيين الروح الوطنية والشوق والشجن … والحنين   للوطن والاحبة والأصدقاء ..

أغنية ( شوك الحمام) وهي من ألحان المبدع كوكب حمزه وغناها المطرب فاضل عواد . ومنها هذا المقطع …

خليني حدر الزلف

ترڇية

أرد أغفه

حسنڇ گمر… لوشمس

لو فرحة لو زفة

يالماي وين النبع؟

مدفون بالشفة

وشوگ الحمام ابهيد ….

والوانه ترفة 

كلمات مصاغة بامتياز قل نظيره … فيها الشوق واللوعة والحنين …

ذبلن وعود العشكَ بشفافك

وماتن

وطيور حبنه ارحلن

وي طيفك وتاهن

وكل المهاجر اجه  ، وگلبك بعد ماحن

وشوگ الحمام ابهيد

وألوانه ترفة

يالرمشة  بستة   فرح …

وعيونه تجليبه

يالطوله نايل عشگ

والشعر مدري به

مڇتول من صيد أمس

من كثر تعذيبه!

من هنايؤكد الشاعر ارتباطه الوثيق والكبير بالفلكلور والتراث الشعبي، وهذا يبدو من خلال أغلب أشعاره الغنائية ومفرداته الغنية والمنتقاة بعناية وخبرة ودراية عالية.

غاد ابعد خليني أحصد

واسمع رنات احجولي

اشرايد يحبيب ِتنِشد

طولك ماوالم طولي

مخوصِر وعكَالك مرعز

واحزامك فضة مرصع

يذكر الشاعر والكاتب العراقي سعدي السماوي في مقال نشر عام 1974 في مجلة التراث الشعبي ( أن أبا سرحان هو الشاعر الوحيد الذي لم يخرج من معطف مظفر النواب) .

قد يهمك أيضاً