ثقافة شعبية

قراءة متأخرة في شعر طالب السوداني

 ادانة صارخة

 

ارتأيت ان اسلط الضوء على مجموعة الشاعر طالب السوداني الوحيدة بعنوان ” طز ” التي نشرها العام 1999.. 

وكانت عبارة عن صرخة احتجاج معلنة ازاء واقع سياسي يمزق انسانية الوجود ويحيله الى ( كومة ) من الرغبات والاشتهاءات الضالة. كانت مجموعة ” طز ” التي نشرت بطريقة الاستنساخ ادانة صارخة بوجه نظام قمعي يستلب الانسان العراقي، ويحرم عليه مجرد السؤال لماذا اعيش؟!.

فكرة مجنونة وصادمة للوسط الثقافي وللنظام البعثي آنذاك.

 وكنا نتداولها اشبه بالمنشور السري.. غلاف المجموعة الذي صممه الفنان محمود موسى، جاء بكلمة مكررة هي ” طز ” وعلى شكل طلسم وفي نهايته، كتب جملة بطريقة متسائلة: ( هالاشياء منو سواها يا عمه )؟!!..

 وهذه الجملة استلها من دعاية لمعمل تعليب كربلاء، كانت مشهورة من خلال عرضها المتكرر في تلفزيون الشباب. 

لكن هذا التساؤل يضمر السخرية من واقع النظام الصدامي وما اقترفه بحق العراقيين من جرائم وسحق انساني وتجويع وتركيع.

“حلوين رغم الحزن”

في الوجه الاخر لغلاف المجموعة، نشر نصا مختارا مع صورة له، لكن الصورة الشعرية وصورة المؤلف، لا تشبه كل المؤلفات، وفي اسفل الغلاف اشارة الى ان حقوق الطبع محفوظة لامي، والنص هو:

ذات يوم 

اختل نظام الطبيعة 

وفقدت 

الارض اتزانها 

فولدت

انا 

وذات يوم 

اختل نظام ابي

وفقدت امي 

اتزانها 

فولدت

الطبيعة.

في اشرة الى ان طالب السوداني ولد من رحم الطبيعة، في لحظة اختلال خارجة عن النسق الانساني وما يحكم الحياة من انظمة وقوانين ادمية، بنص فلسفي متأمل يكشف عن سريالية الواقع وتبرر له سلوكه العبثي والمشاكس لزمن مختل لا تحكمه الاعراف والقوانين الانسانية، التي تحترم وجوده.

ربما يستغرب البعض ان يخرج هذا النص الابداعي وهو يرسم صورة ولادة هذا الكائن بهذا العمق الوجودي، وبالوقت ذاته يكتب اغنية لمطرب من أجل ان يحظى بمبلغ يسد متاعه ليومين او ثلاثة من الشراب والطعام. 

لاسيما انه كتب عشرات الاغاني العاطفية التي اشتهرت في عقد التسعينيات من القرن الماضي، وبطريقة تلقائية عجيبة وكنت شاهدا على ولادة بعضها، التي تأتي في السيارة أو اثناء السير أو في حانة.. وابرز هذه الاغاني التي اشتهرت: ” الماعنده منين يجيب ” و ” العب بيه يابو سميره ” و ” ماريد تطلع شمس ” و ” ام مريش ” و ” مو علي بابا العراقي ” التي كتبها بعد الاحتلال الاميركي الذي اطلق تسمية ” علي بابا ” على العراقيين، فرد طالب السوداني عليهم بهذه الاغنية التي اشترك بكتابتها الشاعر حمزة الحلفي ولحنها وغناها حسن بريسم.. 

واكثر الاغاني التي احبها هي اغنية ” حلوين رغم الحزن ” وكنت دائما اطلب منه  ان يغنيها لي بصوته المزعج..

 وقصة هذه الاغنية ايضا جاءت بعفوية طالب المعهودة، عندما اتصل به احد اصدقائه من السويد، اثناء قصف قوات التحالف على بغداد، فكانت نبرات القلق في صوت صديقه المغترب وهو يطمئن على سلامته، بعد هذه الكميات الهائلة من الصواريخ التي قذفت على رؤوس العراقيين. فيستغرب من جواب طالب السوداني الممزوج بالنكتة والضحك.. فيرد عليه صديقه ( احنه ميتين خوف عليكم وانت تضحك)؟!!.ما جعله يكتب على الفور اغنية ” حلوين رغم الحزن.. رغم الحزن حلوين.. 

نفرح ولو بالالم يا دنيا غركانين “.

 

وثيقة سياسية

 

 

نعود الى مجموعة ” طز ” التي تستدعي قراءتها مجددا باعتبارها وثيقة سياسية ثقافية لشاعر تمرد على اعتى سلطة قمعية عرفتها الانسانية ومن القصائد التي احتوتها المجموعة نص بعنوان ( مهنة ) جاء فيه:

ابن الساعاتي .. ساعاتي 

ابن البناء .. بناء 

ابن  الفنان .. فنان 

ابن الدكتور .. دكتور 

ابن الحيوان .. حيوان

ابن الخياط .. خياط

ابن  الحمار .. حمار 

ابن    التاجر .. تاجر 

أما انا :

فابي جندي 

لذا ولدتُ قتيلاً

بهذه القصيدة يشير الشاعر بوضوح الى ان الحياة تتكون من مجموعة مهن ترفد الحياة الانسانية وعندما يتحول النظام السياسي من المدنية الى العسكراتية ويتوجه نحو الحروب التي تتطلب المزيد من الجنود كي يكونوا حطباً لنزوات القائد المجنون وبتحويلة مؤقتة تتجه المهن الاخرى الى الجندية كي تغذي الجبهات بالمقاتلين المكاريد..

 فيولد في ظل هذا الوضع جيـل مقتـول الاحلام بالحريـة والعـيش بسـلام وحـب وامـان.

عمل تلفزيوني

تعددت مواهب السوداني في أكثر من حقـل، ففضلا عن كتابة النص الغنائي والقصيدة، كتب العديد من الاعمال التلفزيونية ذات الطابع السياسي الساخر ومنها ” نص اخمص ” و ” الحكو.. مات “

 وغيرها من المسلسلات. 

لكن لم يمر بخلده، أن تعمل احدى المؤسسـات الاعلامية الامـيركية فيلما عن حياته، متنـاولة مجموعته ” طز “!!..

 يذكر الصحفي علاء حسن ان احد الاعلاميين العراقيين ويعمل بمؤسسة اميركية ومقيم في واشنطن، نشر احد نصوص طالب السوداني بعد ترجمتها.

فاثارت اعجاب العاملين في المؤسسة، فـولدت فكرة تناول مجموعته ” طز ” بعمل تلفـزيوني. 

وتحديدا النص الاتي:

صباح الخير ايها الليل 

هكذا قال الجنرال 

وراح يضاجع بناية وزارة الدفاع

بعد سنوات طويلة 

انجبـت الـوزارة جيـوشـا بشـتى الالـوان.

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان