حوارات وتحقيقات

بذريعة خارج حدود بغداد.. مناطق سكانية دون مستوى الخدمات الأساسية

مانديلا زعيمنا  

في هذه المناطق، امتهن بعض الناس  ، تربية المواشي أو الخيول لتكون سببا في توفير معيشتهم الصعبة ،فترى وجهه مسمرا من لفحة السموم الهوائية ،لعنوان واحد ربما يكون مشتركا ،إنهم من أبناء المحافظات الجنوبية ،وهذا نموذج عملي شاهدناه من الواقع ،نوع آخر استجاب للمتغيرات المهمة الخدماتية ،فوجدها قابلة للتغيير بأنفسهم ،من خلال الشروع ببناء منظومة مجاري لتصريف المياه الخفيفة  ،لكي تصبح جنس المنطقة مرشحة  للانضمام إلى أسوأ مدينة في العالم.. بغداد ،يمكنك أن تصمم تجربة يكون الشيء الوحيد الذي يسبب هذه الفروقات المجتمعية ،هو إنسانية المسؤولين ،الذين يمكن من خلالهم استبعاد هذه الفروقات ،وبكلمة من احد وجهاء المنطقة : نحن ننتخب مانديلا ،رغم أنه ميت لكنه حي في الضمائر الزكية والصادقة التي تخدم أبناء وطنها وبكل شرف ومهنية .

 

معاناة أخرى

قناة الشرطة أو مايسمى حاليا (اشطيط) ،كان لمثل هذه القنوات أن تستخدم لتصريف مياه الفيضانات التي ربما تحدث لنهري دجلة وديالى ،وكان الظن ولوقت قريب أنها كذلك، وخصوصا مع افتعال فيضان سد الموصل وطوفان بغداد ،لكنها أصبحت منظرا مشؤوما عند مشاهدته من الجانب الإنساني  ،والتي تحولت اليوم الى ستة  مستنقعات مما لا يمكن التخلص منها بكل الوسائل المطروحة ، فالروائح الكريهة المنبعثة من الحيوانات الميتة ،وتفسخها داخل هذه المستنقعات ،بل ويمكنك اعتبارها دالة لتلك الرائحة لقوتها واستنشاقها من بعد مئات الأمتار ،لكن هنالك جانبا آخر لهذه المأساة ،ففي لهيب هذا الصيف المستعر تخرج  الأفاعي والعقارب من جحورها ،مع ازدياد أعداد المصابين باللدغات ،في ظل وجود مركز صحي يتيم . وكانت لوكالة ” النبأ الصادق ” زيارة ميدانية له للوقوف على مايعانيه من سوء الخدمات وقلة العلاج المصروف ،رغم مناشدتنا لوزارة الصحة ،بتزويده بكوادر اختصاصية وليست متدربة ،ولكن وكما يقولون إذا عرف السبب بطل العجب ،فهذه المناطق دار منفى وعقوبة ادارية للكثير من الوزارات ،ومنها وزارتا التربية والصحة  والبيئة ،وهي تحتاج إلى نقلة نوعية في كل شيء ،لأنها تشهد انفجارا سكانيا وانشطارا عائليا مع ارتفاع أسعار الدور السكنية نسبيا .   

 

بين طريق الحرير وصحوة الضمير

كثيرا ما سمعنا عن طريق الحرير للتجارة والذي يجمع بين دول  ومسارات مجتمعة ومشتركة ،القصد منها المنفعة التجارية ،فسرعان ما ازدهرت تلك الدول ،غير أن واقع الحال هنا يختلف تماما ،فأغلب نهايات هذه المناطق أصبحت مكبا لرمي النفايات وحرقها ،ناهيك عن التأثير الصحي ،مع استمرار استغاثة “متى يتم إنقاذها ومعاملتها أسوة مع مناطق سكن أعضاء البرلمان!!” ،في حين أن  موعد اقتراب الانتخابات على الأبواب ،وسوف تطلق مواعيد بتحويلها إلى مدينة دبي الثانية! ،الشوارع مهملة ونضوح مجاري المياه مستمر ،ودوائر البلدية لا تقوم بإدامتها ما لم تدفع زكاة للعاملين!! .

 

بداية القافلة

من المهم جدا وجود دليل يرافقنا لتجنب المتاعب، ويرشدنا إلى مواضيع نبحث عنها ،لكن ما سهل علينا مهمتنا هو أننا من أبناء تلك المنطقة ونسكن فيها منذ 20 سنة خلت ،ولذا فموضوعنا ليس فيه أية مغالاة أو تصنع ،انما هي صور من واقع الحال ،ومما ساعد في سرعة انجاز مهمتنا الصحفية ،التعاون من قبل الفرقة /11 ومساندة امر اللواء / العميد الركن مقداد مع مرافقة  امر الفوج / 3العقيد فؤاد وامر السرية  /3 الرائد  حسين   /،الذين واصلوا الليل بالنهار دون تعب أو عناء ،بتجربة عسكرية وإنسانية متميزة  ،لأبنائها مع تسخير كافة الإمكانيات ومنها لا للحصر عيونهم الساهرة ،في الأسواق  المكتظة بالمتبضعين ،والدوريات الراجلة حتى الصباح الباكر ،مع فض النزاعات العشائرية والقبض على عصابات السطو المسلح ،كانوا وللأمانة المهنية مثالا للتكاتف الاجتماعي والإنساني.   

 

تسميات مستمرة

ترد الكثير من تساؤلات المواطنين ،عن أصل تسميتها بـ(حي طارق )والذي يضم بين جناحيه ثلاث مناطق وأحياء(سكانية )حي المنتظر وحي الامام المهدي وحي الامام الرضا ،مرورا بحي النصر ،عند الحدود المتاخمة لمنطقة المعامل والباوية ،حملنا  كاميرتنا لنتوقف عند بداية حي المنتظر ،التي تجاور محطة ضخ المياه ،وكنا نظن أن هنالك جهدا حكوميا بإنشاء منظومة مجاري ،لتصريف مياه الأمطار والمجاري الخفيفة كما يسميها أبناء هذه المنطقة ،تجمهر عدد من المواطنين حولنا ،وقد كانت الفرصة سانحة لزميلي المصور بالتقاط  صور لمجاري وسط الفرع ،دفعتنا عزيمتنا الصحفية لنستمع ونسجل اراء ما بين طالب وطالبة ،وشيخ كبير وشباب ،وكل يدلو بدلوه ،اراء شتى وكلمات ربما تكون منفعلة ،بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي المستمر  .

 المواطن خضير كامل / قال لنا:كما ترى فلقد بادر أهالي المنطقة بجمع مبلغ 350 الف دينار من كل بيت لغرض حفر المجاري وعلى حسابنا الخاص،فيما  ذكر  لنا  الموطن /صادق عبود العلياوي ،أن أصل اطلاق التسمية على هذه المنطقة يعود إلى أيام النظام المقبور ،وتحديدا سبعاوي التكريتي ،الذي ويكنى أبو طارق ولأن الأخير بادر إلى بناء مجسر يمكن لأهالي المنطقة العبور من خلاله إلى سكناهم ،فيما تطرق المواطن راشد أبو الهيل بالإيجاز، أنها كانت أراضي زراعية ،وموزعة على شكل خمسة دونمات بسند واحد ،ووزعت لأصحاب أنواط الشجاعة ،وبعد سقوط النظام تم تقطيعها إلى أقل من 50 مترا لبعض العوائل ،هروبا من بدلات الإيجار القاسية ،وبذريعةانها طابو زراعي وتحت شعار يتعامل به أغلب مكاتب العقار والدلالية (الحكومة عليك والعشائر عليه)،لضمان كسب ونهب اكبر عدد من ملايين الدنانير من هؤلاء الفقراء والمحرومين .مواطن اخر أكد لنا أن انشاء هذه المنطقة يعود لعام 1973 ،ثم تطورت واتسعت مساحتها نتيجة  زحف ونزوح أهالي المحافظات الجنوبية ،والتي تربطهم وإياهم صلة قرابة ،ثم يتداخل معنا الحديث مختار محلة 575 محمد هاشم كمر   فيقول: يسكن هذه المنطقة،وبإحصائية موثقة لدينا أكثرمن عشرة آلاف  دار سكنية ،وقال لنا بروح والدك خليها بين قوسين (كل دار يعيش فيها أكثر من ثلاثة عشر فردا) أما المناطق الشيشانية ،والتي تشمل محلات 106 و107 و108 و110 فانها غير مشمولة بالخدمات ،وكذلك الحال لمحلات 770و772و774حي  النصر بجانبيه الأيمن والأيسر  ومحلة 359 في منطقة الشعب ،والبعض منهم قال مازحا :سوف نراجع سفارة دولة الشيشان لأنها وبحسب تعبيره (مسؤولة عنا ) لأنها تفتقر إلى الخدمات الصحية سوى كرفان بدائي ومنذ سنتين صادرته وزارة الصحة لأنها بأمس الحاجة القصوى اليه ،وأهالي المنطقة عادة ما يتداوون بالعلاجات البديلة كطب الأعشاب أو التعويذة لطرد الجن من المريض ،أو اللجوء إلى (أبو كرارالداكوك )بطريقته الوخز بـ25 إبرة بمكان الألم .

 

الواقع التربوي والمعطيات البائسة

من الأمور الثابتة في كل دول العالم ،أنها تهتم بالجانب التربوي قبل أي من الجوانب الأخرى ،لسبب أنها تعكس الواقع المتطور لسياستها اتجاه أبنائها ،لكي تساهم في نهوضه وإعلاء حضارته ،أحد التربويين رفض تزويدنا باسمه قال لنا:هنالك مدرستان للدراسة الابتدائية والمتوسطة في حي المنتظر وحي الإمام المهدي ،والدوام فيها على ثلاث مراحل من الساعة 8ــــ11ظهرا ومن 11ــــ2ظهرا ومن 2ظهرا ــــ5 عصرا ،والمتوسطة للبنات في نهاية منطقة 110 ،وغالبا مايتعطل دوامها في فصل الشتاء نتيجة فيضان وغرق الصفوف لأنها على شكل كرفانات ،أما بخصوص طلبة مدارس الابتدائية فهي  الاخرى لا تخلو من المعاناة ،وهي أن العدد النموذجي للطلبة في الصف 35 طالبا ،أما هنا فالعدد يتجاوز 60 طالبا ،مع عدم توفر الخدمات الصحية وإدامة نظافتها ،وخصوصا مع هذه الأعمار ،بالإضافة إلى مسألة أخرى بهذا الجانب وهي كثرة خروج الطلبة للمرافق الصحية أثناء فترة الدرس ،وهذا بالتالي يضيع المادة عليه ،مع عدم المتابعة لبقية الطلاب ،لابد من حلول ودراسات لإنقاذ هؤلاء الطلبة ،لا أن تكون نقاط مختلفة واستعلائية وطائفية تفرق بين هذا وذاك حسب منطقته ونفوذه الاجتماعي ،والكثير وحسبما قال لنا أهالي المنطقة أنهم قدموا  الشكاوي والمقابلات مع أعضاء المجلس البلدي  ،لكن  أسمعت أن ناديت حيا.. ولكن لا حياة لمن تنادي !!.واثناء تجوالنا لفت أنظارنا وجود مقبرة  ،الدفان أبو ناجي  يقول عنها :منذ نهايات الستينيات بدأ الدفن هنا للأطفال الموتى وللعوائل الفقيرة ،نستقبل الموتى من مناطق مدينة الصدر والمشتل بالإضافة إلى أطفال المنطقة ،ولا أخفيك سرا أن الكلاب تحفر القبور لتلتهم الموتى ،وهي في طريقها للطمر بسبب استحواذ  أهالي المنطقة عليها ،حتى الموتى لم يسلموا من الحوا سم!! .

 

محطات المياه

من الأمور الصعبة التي تعيشها معظم هذه المناطق ،وخصوصا في فصل الصيف ،مشكلة شحة المياه لهذا الموسم ،ومن المهم جدا دراسة الكثافة السكانية وامتدادها ،بالقياس إلى كمية المياه المدفوعة لهذه المناطق ،فترى (الستوتات )تحمل الخزانات البلاستكية الكبيرة ،ما يروي لسد حاجتها من الغسيل ومياه الشرب ،لأن الكمية المدفوعة 200 لترا في الساعة وذلك حسب الطاقة المصممة لها  ،وتوجد فيها مضختان والمنطقة تحتاج إلى ثمانية محطات ، وفي موضوع متصل كنا قد أجرينا تحقيقا  بشأن مدى صلاحية هذه المياه للاستخدام البشري ،فقال الموظف المسؤول في المركز الصحي في حي الإمام المهدي ،وبناء على العينات التي ترسل إلى المختبر المركزي في ساحة الأندلس أنها(عكار)أي لاتصلح للاستخدام البشري ،ونهايات هذه المناطق لجئوا إلى حفر الآبار الارتوازية ،لكن البعض منهم قال لنا ربما ستعوضنا محطة ضخ الرصافة التي افتتحت قبل شهر .

 

الكلاب السائبة والصراصير القفازة

الطريق من بداية حي المنتظر إلى حدود نهايات منطقة عشائر البو غنام والجروخ والنوافل ،لا يخلو من الخطورة المستمرة بين الكلاب السائبة والوحشية ،وخصوصا عند بداية الليل وسواده الدامس في هذه المنطقة ،بسبب عدم إنارة الشوارع أو حتى الأزقة بمصابيح لا تكلف وزارة الكهرباء شيئا من ميزانيتها ،أو الشلل الذي أصاب المنظومة الجديدة في  حي الإمام المهدي ،منذ أكثر من ثلاث سنوات ،ناهيك عن موجات الصراصير التي بسطت نفوذها وهيمنتها التترية ،وسط أطباق وصمت وزارة الصحة والبيئة والجهات ذات العلاقة ،بمكافحتها بواسطة الطائرات الزراعية والتي تعالج بدورها الكثير من الحشرات الناقلة للإمراض الجلدية والجهاز التنفسي ،وهو سؤال مدعاة للإجابة من هذه الوزارات .

 

انتشار الأمراض الخطيرة

هنالك إصابات سرطانية متعددة ،يمكن الوقوف عليها ،وكما أشرنا في هذا التحقيق إلى الإهمال الصحي المتردي ،لكن انتشارها بهذا المنطقة  فهي مسؤولية إنسانية تقتضي البحث عن أسبابها ،ويمكن اختزال هذه المعاناة بأبعاد معامل حرق الأسلاك الكهربائية والتي تسمى (الكورة)، وقد حاولنا متابعة القضية مع وزارة الصحة والبيئة ،والجميع يقول لايمكننا السيطرة لأنها ستصدمنا مع العشائر.

 

 الصورة والحدث

كما قلنا إن وجود المسطحات المائية ،ربما يضيف مسحة جمالية للمنطقة ،لكن الزحف السكاني نحوها وطمرها بالأنقاض ثم بيعها على شكل قطع أراض ،من قبل مكاتب الدلالية باعتبار أنهم يمتلكون توكيلا رسميا من أصحابها ،وهذا يلخص الحديث بمكافحة هذه الآفة الخطرة التي تنهب أموال الناس بوضح النهار ،نتساءل عن من يقف وراءها ،ربما تكون أشياء كثيرة  وخطيرة أخرى في الموضوع؟!.

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان