ثقافة شعبية

عــن الشاعــر الراحــل كاظــم الرويعــي

محمد علي محي الدين

الجزء الاول

 

ولد الشاعر كاظم ناصر حسين عام 1941 في ناحية “الحمزة الغربي” المدحتية محافظة بابل وأكمل دراسته الإعدادية عام 1963 التحق بعدها بكلية الشريعة جامعة بغداد ،وعمل في وظائف شتى حتى وفاته غريبا في الأردن في 2 – 3 – 2002 ،وهو من أعلام الشعر الشعبي ،وشعراء المدرسة الحديثة ،تميز شعره بالعذوبة والأصالة وحسن اختيار المفردة الشعبية الفراتية،ورغم بداياته الفصيحة إلا أنه أنصرف أخيرا لكتابة الشعر الشعبي حتى عد في الطليعة من شعرائه لما تميزت به قصائده من أصالة وعذوبة وجرس طاغ وصور جميلة معبرة،وجايل أكبر الشعراء الشعبيين وطاولهم فيما كتب ونشر وأذاع كالشعراء طارق ياسين وعزيز السماوي وشاكر السماوي وعلي ألشباني وزامل سعيد فتاح وذياب كزار أبو سرحان وتميز عنهم بكثرة ما كتب من أغان أعطت أشعاره بعدا شعبيا وانتشارا وذيوعا،وكان له تأثيره على ما تلاه من الشعراء الشعبيين وخصوصا الشعراء غازي ثجيل وقاسم عبد الشمري وسلمان شرهان الربيعي وفالح حسون الدراجي ورياض النعماني.

وكان لانتمائه السياسي أثره في أنماء توجهاته الأدبية والشعرية فكان لقصائده تأثيرها الكبير وشيوعها بين المثقفين وقد أصدر ديوانه الأول البيرق عام 1968 وفيه الرائع والملتزم من أشعاره ويمثل توجهاته الفكرية وتطوره الفني وانحيازه التام لقضايا الشعب والوطن،ثم أصدر ديوانه الثاني الفجر وعيون أهلنه عام 1975وطبع في بيروت،فيما صدر ديوانه الثالث”صبر أشموع” قبل وفاته في عمان.

وقد تعرض الشاعر لمضايقات السلطة الحاكمة وضغوطها بسبب انتمائه السياسي فاضطر للمهادنة ومجاراة الظروف وكتب ما لا يتفق ومعتقداته فكان ذلك مدعاة لانهياره السريع وشعوره بالمرارة والمهانة ،لأن الانحدار من شاهق يولد الكثير من التداعيات ،ونتيجة ذلك أضطر لمغادرة العراق نحو الأردن على أمل الحصول على لجوء لكندا ولكن حصلت الموافقة بعد أن فارق الحياة في المستشفى في ظروف غامضة يعتقد أن للسلطة دورا فيها ودفن في غربته هناك.

وقد أسهم في مهرجانات الشعر الشعبي في العراق وخارجه ،وله صوته المعارض من خلال أشعاره التي تذاع من إذاعة صوت العراق وبرنامجه “كلايد الذي يذاع منها وربما كان ذلك السبب المباشر في إنهائه،ولعل شهادة شاعر العرب الأكبر ألجواهري خير دليل على شاعريته إذ يقول عنه” اشعر بغربتي حين اسمع أغنية (يم داركم) وخاصة في قول الشاعر (التمت بروحي المحنة واشتهيت أخباركم) هذه الأغنية جعلتني فرحا وحزينا في نفس الوقت أجاد بها الرويعي وليس عليه بجديد”أو قول النواب الخالد” إن بعد المسافات وفارق الزمن جعل من بعضهم لا يعرف الرويعي لكني أود أن أقول لكم هذا من صاغ النجوم (كلايد) وشاعر من شعراء عودة الكلمة في العراق.”.

وقال عنه شمران الياسري “أبو گاطع”انه يشكل منعطفا في كتابة الأغنية لابد أن تستوقف مؤرخ الأغنية العراقية الحديثة على مدى طويل).[1]

ويقول عنه الأستاذ ذياب غلام” فالمفردة الشعرية لدى الرويعي مشحونة بالإيحاء الثر وتكاد تكون وحدها صورة شعرية تتداعى في ذهن المتلقي لتتحول إلى جملة غنائية لا مفر منها في خلق أجواء تطريبية حتى تلك التي تعج بالمباشرة كالقصائد الوطنية التي لا تخلو من حماس والتي تقترب في بعض الأحيان من…. الأهزوجة…. لقد أتقن الرويعي أداته الشعرية أيما إتقان فوفرت له إمكانية جديدة ليس في تحديث الأغنية حسب وإنما في بسط خيالات جديدة لدى المتلقي أيضا وهو بهذا قد حول الأغنية – إلى جانب تطريبها -إلى قصيدة ترددها الأفواه تعبيرا عن اختلاجات النفس الإنسانية فاستحق بذلك أن يكون فاتحا لآفاق جديدة في الشعر الشعبي العراقي المعاصر”.[2]

ويذكر الدكتور هاشم العقابي عن معارك الشعراء الشعبيين ومطارحاتهم : 

“منذ منتصف الستينيات اصطبغت سمعة الشعراء الشعبيين بالعركات. بدأت المعارك ببغداد وكانت بين شعراء القصيدة “الكلاسيكية” و”الحديثة”. ثم في المهرجانات التي ابتدأت في العام 1969 في الناصرية وانتهت فيها في العام 1973، بعد أن طافت بالبصرة والعمارة والديوانية والسماوة. بعدها نشبت بين الشعراء الشعبيين البعثيين والشيوعيين ثم بينهم وبين شعراء الفصحى للحد الذي أضطر فيه اتحاد الأدباء العراقيين أن يضع “كارتونة” كتب عليها بقلم “الماجك” العريض: “يمنع دخول الشعراء الشعبيين”. وعندما حلت أيام الحروب السوداء وانتشرت ظاهرة “المكرمات” نمت بين الشعراء الشعبيين “عادة” العراك بين شعراء بغداد في جانب، وشعراء المحافظات في جانب آخر. 

معارك بغداد كان مسرحها بعض المقاهي الشهيرة وخاصة مقهى “شط العرب” القريب من “اورزدي باك” في شارع الرشيد. كان الشعراء الشعبيون من كل الأصناف قد اتخذوا من هذا المقهى مقرا لتجمعاتهم كل مساء خميس، وكانوا يسعون من وقتها لتأسيس جمعية لهم. كان ذلك في مطلع العام 1967. كان المجتمعون يجلسون في صفين متقابلين. صف لشعراء القصيدة التقليدية يقودهم شعراء بغداديون من أصحاب المهن كالبناء والنجار والقصاب والنيار والحداد والسماك. وفي الصف المقابل نخبة أطلق عليهم اسم “المثقفين” وهم من شعراء القصيدة “الحديثة” أو “الجديدة”. كل طرف يرى انه الأحق في ترؤس الجمعية المراد تأسيسها وفي الوقت ذاته ينكر على خصمه انه شاعر.

وذات خميس قدم الشاعر الراحل المعروف كاظم الرويعي، وهو من الصف “الحديث”، الذي كنت من ضمنه، مقترحا وسطا وهو تأسيس الجمعية من الطرفين، وشرح للطرف الآخر إن الفارق بين الاثنين ليس كثيرا، وان شعراء القصيدة “الحديثة” الشعبيين يلتزمون بالوزن والقافية كزملائهم “الكلاسيكيين” لكن الفرق في المضمون وهذا أمر لا يستحق كل هذا التوتر. 

وبدلا من أن يتقبل “ الكلاسيكيون” المقترح صعد بهم الغضب وهبوا هبة رجل واحد بقيادة الشاعر الكلاسيكي المعروف عيدان الجصاني الذي ارتجل بيتا من الشعر بوجه الرويعي قال فيه:

اتگول التزم بالقافية وبالمطلع حچيك خرط هذا وابد ما ينفع

وصاح جماعته: “أي نعم خرط”. وامتدت يد احدهم إلى عقاله وهجم به على الرويعي وجماعته، ورمى آخر “ چروايته” استعدادا للحرب وصاح: “يا شيوعيين يا خونة”. حينها لم يبق أمامنا غير أن نفر بجلودنا صوب بار “شريف وحداد” القريب من المقهى وعيوننا على الباب أن لا يداهمنا رجال الأمن، لكن بحمد الله، مرت العاصفة بسلام.[3]

ومن أشهر قصائده المغناة ،قصيدته الرائعة “تناشدني “التي غناها مطرب العراق سعدي الحلي التي يقول فيها:

تناشدني عليك الناس واتحير شجاوبـــــــــها

اشهل فتنه اللي ما تنقاس گلي امنين جايبها

اللفتات الغزاليه

والعيون الفراتية

واشفافك الورديه

وهل الفتنه اللي ما تنقاس گلي امنين جايبها

وقصيدته الأخرى “يمته الگاك”:

يمته الگاك يمضيع اسنين العمر بفراگك

يمته الگاك اغنيلك واجمع شوگي بشواگك

يا واحة ورد وتفوح

يا اول عشگ للروح

سالفتي طويله او ياك يمته الــــــــــگاك

أو أغنيته الرائعة الذائعة”ليلة ويوم”:

غفه رسمك أبعيني مـن الصبا لليوم

وطيوفك ضيوفي بصحوتي والنــوم

نثرت العمر بدروبك واگول أتــــدوم

ما ظنيت عشگك عشگ ليله ويوم

نفحه من الورد ومن الگــمر طلعه

ولك عمري انگضه شمعه باثر شمعه

ضوگني هواك الضحكه والدمعه

ونطرت اهلال وصلك والحصاد غيوم

الدنيا بلا عشگ ما تنشره وتنباع

وعذب عمر الوفي ابچف الوفي لو ضاع

يا حنة العيد او شهگة النعناع

حلم يلطرزت دربي ورد ونجوم

گصد ليك الگلب طير ويلوذ بدوح

ولگيتك رازقي طيب وملاحه أتفوح

يقظة لو حلم من بين أديه أتروح

والماي التبده مــــــــا يرده اللوم

أو قصيدته التي غناها المطرب الكبير فؤاد سالم”يا عشگنه”:

يا عشگنه….. فرحة الطير… اليرد لعشوشه عصاري

ياعشگنه ايمد سوابيط العنـــــــب ونحوشه عصاري

گاعنه فضه وذهب وأحنه شذرها

ياحلاة العمر لو ضاع ابعمرها

ياعشگنه…. يا عشگنه

****

خذني للمرواح عود خذني سن ألمنجلك

ومن يشع ضي الخدود شمعه وبديرة هلك

اضوي ليام الحصاد الجايه

والبيادر كالجبال العالية

ماينه… أشطوط وسعد

وأنسامنه… أطيور وورد

گاعنه فضه وذهب واحنه شذرها

ياحلاة العمر لو ضاع ابعمرها

ياعشگنه…. ياعشگنه

****

أيدي وأيدك عالمساحي… ألدنيه تموز وشمس

وليلي اضوه من صباحي والوكت زفة عرس

اتطوف اغانينه ابشلبنه وهورنه

ولو سعينه الخير خـــيرايزورنه

آمالنه… اتطًگ بالشجر

وجبالنه…ابعلو الكمر

گاعنه فضه وذهب واحنه شذرها

واشحلاة العمر لو ضاع ابعمرها

ياعشگنه……… ياعشگنه 

أو ما غناه المطرب الحزين ياس خضر من قصيدته”تواعدنه”:

تواعدنه أوعله الموعد اجينه گعدنه ابروضة الحب او تنينه

مرت عالوعد ساعات والموعد زمانه فات

ما ظنينه يا اسمر ما تجينه

 

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان