ثقافة شعبية

قامة شامخة في تاريخ العراق الحديث

ارتبطت بعلاقة تاريخية طويلة بالشاعر الفقيد زاهد محمد زهدي ،دون أن أراه أو التقي به حتى وفاته،فقد سمعت وقرأت عنه الكثير وخصوصا ما كان متداولا بيننا من أشعاره وروائعه الوطنية وأناشيده التي كانت منشورا سياسيا معبرا عن آمال وطموحات الجماهير، وما له من تاريخ مشرف في الحركة الوطنية وطليعتها الحزب الشيوعي العراقي صاحب البصمات الواضحة في النضال الوطني لعقود.

محمد علي محي الدين

 
لقد كان ثورة في زمن الثورة ومنشور له تأثيره في الجماهير،وكانت كلماته المعبرة عن آلام وآمال الجماهير تأخذ طريقها إلى العقول والقلوب،وكم كان له تأثيره في أذكاء نار الثورة والصمود على المبادئ عندما نردد أشعاره التي منها تعلمنا كيف يكون الصمود:
هذول احنه.. تمعن شوف ذول احنه
على تراب الوطن يا ما حضنه جروفه وطحنه
أو عندما نردد نشيده الخالد الذي يرمز للتحالف القومي لأطياف الشعب المختلفة،في أشارة واضحة لعمق التلاحم بين القوميات المتآخية،رغم تخرصات الأعداء الذين يحاولون النيل من الوحدة الوطنية و لزرع الفرقة والتنابذ بين أبناء الوطن الواحد تحت ستر مهلهلة من العصبيات القومية التي تغذيها الأطراف الخارجية بما يحيل الوطن إلى مزق  للنفاذ من خلال الفرقة الوطنية وتحقيق طموحات الطامحين في الهيمنة والسيطرة وتعاظم النفوذ:
من تهب أنسام عذبة من الشمال    
            على ضفـاف الهور تتفتح كلوب 
لو عزف  عالناي راعي بالشـمال 
            عالربابـة يجاوبه راعي الجنوب 
هـاي خوّتنـا وتاريـخ انكــتب
             النا حافـل بالمجد والتضحيـات
   هاي خوّتنا ومعدنهــه صـلـب
                   ما تهزهزها العواصـف للأبـد
   ايـد ايـد وكلب مشدود لكـلــب 
                 حلوه مرّة اثنينّا نعيش الحيــاة
   كلوبنا تخفق سوا جنوب وشمال
                هربجي كرد و عرب رمز النضال
   فكان العراق من شماله إلى جنوبه وشرقه إلى غربه يغني على أنغام الهربجي  أنشودة المحبة والأخوة الوطنية،وأخذت هذه القصيدة مكانها في قلوب الجماهير العراقية الساعية لبناء العراق الكبير ،عراق المآثر والأمجاد.
ومن شعره الأخواني الجميل ما كتبه عندما شكا له صديقه ناجي القشطيني قلة النوم،وما يعانيه من أرق،واضطراب في نومه فكتب هذه القصيدة:
بين دشداشة وبيجامه 
«خالد» مضيع منامه
يسأل القراء هلا
 ارشدوه للسلامة
قصته قصة عجيبه 
ولو تريد الحق مريبه
من أثر هذي المصيبه 
 البرد عشعش في عظامه
يقول مد وجزر عنده  
وجاذبية القمر ضده
القميص انجذب وحده
 وبنطلونه على اقدامه
اجتهد خيط زرايره 
هنّ من السروال طايره
والقميص لحاله دايره
والزراير بالقمامه
صلعتك صلعة رهيبة
وجاذبيتها عجيبه
هذه اصل المصيبه
قايمه ليوم القيامه
وحالتك مو مستحيله
وعندي لك وصفة اصيله
شوف باروكه طويله
ولفها لف العمامه
تصير طيه فوق طيه
حول ها الصلعه البهيه
يروح فعل الجاذبية
ويحصل لخالد مرامه
  وعندما كتب نشيد الجمهورية الخالدة شاركه في وضع لمساته شهيد الوطنية الحق الزعيم الشيوعي سلام عادل سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الذي أستشهد تحت التعذيب في أقبية قصر النهاية العفنة على أيدي الجبناء أبطال المقابر الجماعية من عصابات البعث الضالة، وقام بارتكاب هذه الجريمة المروعة المجرم محسن الشيخ راضي ابن مدينته ومنطقته الذي كان يخالفه الرأي كما يخالفه في الخلق الرفيع،وبسبب التباين بين الاثنين في المستوى الفكري والاجتماعي بما عرف عن الأول من أخلاق غير محمودة في مدينة النجف.
 والشاعر زاهد محمد من الشعراء الذين أغنوا الغناء العراقي بقصائدهم الرائعة ،فكانت كلماته مثار اهتمام الملحنين والمطربين ،وله الكثير من القصائد المغناة التي أشغلت الجمهور لعشرات السنين ولا زالت طرية على ألسنة العراقيين،وقد غنت له أشهر المطربات العراقيات.
 وهو من المؤلفين والكتاب العراقيين الذين أغنوا المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات التي أصبحت بمرور الزمن من  مراجع الدارسين والباحثين لما فيها من جديد مفيد له مكانه بين الدراسات البكر في النواحي المختلفة،منها أفراح تموز والملا عبود الكرخي،وحصاد الغربة والجواهري صناجة الشعر،وشعاع في الليل،ومن وراء المايكرفون وغيرها من المؤلفات التي صدرت ومنها ما لم يطبع لحد الآن.
والشاعر زاهد محمد من شعراء السجون المعروفين وطالما كانت قصائده وأغانيه تنتقل من سجن إلى آخر يرددها المناضلون،ولو جمعت تلك القصائد لشكلت ديوانا كبيرا،وقد ضاع أكثرها بسبب عدم العناية بتسجيلها وما تعرض له الشاعر من سجن ونفي وتشرد بسبب مواقفه الوطنية.
 وكانت له قصائده الفصحى التي استحوذت على اهتمام الجمهور بما حوت من صور رائعة ومعان سامية وأخيلة جميلة،وله قصيدة بارى فيها قصيدة شاعر العرب الأكبر ألجواهري يا دجلة الخير يقول:
أتيت حوضـك ظمآنـاً لتسـقينـي 
    يا كعبة الله يا مسرى الملايين 
يا مهبط الوحي في أرض يضوع بها 
   ذكر العقيدة يزكو كالرياحين 
وله قصيدة بعنوان الحكومة الصائمة:
بوركــت يا دافـئـة المضـاجـع
    يـا ربـة الأوراق والطوابـع
قد جاء شــهر الصوم فاستلقي 
على قفاك في الحقول والمصانع
نامي على جنبيك فالصوم هو الـ
 نـوم على الجنبين في المخـادع
واسـتمعـي في كـل يـوم عظـة
أو خطبـة عصماء في الجوامع
عـن الغنـي إذ يصــوم يـومـه
لكـي يحـس بالفقـير الجائع
وألف شـتان وشـتان الذي
      بينهمـــا في الحظ والمواقع
فصائم إفطاره مائـــــدة
        كبابهــــا يضحك للكوارع
وآخر فطــوره  وصومــه
     سيـــــان في دوامة التنازع
هذا طوال العمر يشكو حظه
  وذاك مخصوص بحسن الطالع
وهناك الكثير من الجوانب المضيئة في حياة الشاعر والكاتب والأديب والسياسي والإعلامي والصحفي زاهد محمد تستحق العناية والدرس والتحليل عسى أن يقوم الأمناء الأوفياء من أصدقاء الشاعر وزملائه ومحبيه ورفاقه باغنائها والسعي لجمع ما تناثر من إبداعاته في مختلف الشؤون والمجالات ونشرها  حفاظا على هذا الإرث الخالد لهذا الوطني الشريف الغيور الذي أعطى لوطنه وشعبه الكثير ولم يحصل على القليل فهو كردي فيلي عراقي ،ناضل بصلابة من أجل العراق وعاش للعراق وآن للعراق أن يكرم أبناءه الذين لم يبخلوا عليه بشيء وأن يرد لهم بعضا مما أدوا وما ذلك  بصعب على بلد البترول والنخيل الذي تلعب بأمواله من لم يكونوا يوما من الساعين لبنائه في الوقت الذي يهمش من كانوا ذات يوم شيئا في تاريخه الوضاء. 

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان