ثقافة شعبية

مظفـــر النــواب أنموذجـــاً

مقدما في الوقت ذاته البديل الحقيقي لهذه السلطة . والمتمثل بالرموز العادلة المحبة للفقراء والكادحين والرافضة للظلم عبر العصور .  إذ يظهر المسيح المصلوب وهو يقاوم جلاديه زارعا الأمل في نفوس اتباعه ، وكذلك شخصية الرسول الكريم محمد « ص « مقترنة بشرط افتراضي يهدف إلى الإعلاء من شأن المقاومة المسلحة الرامية إلى إقصاء الأغيار ويتبدد هذا الشرط عند استحضار شخصية الإمام علي ابن أبي طالب، التي تمثل لب الاندفاع والفتوة الثورية التي تشكل عند المتصوفة مع شخصية أبي ذر الغفاري ( الربذي ) المحرك الأول للتصوف الثوري المناوئ للدولة كما أسلفنا ، ممهدة لظهور شخصية الإمام الحسين بوصفها رمزا للتضحية والفداء في سبيل الحق ونصرة المظلومين وصوتا هادرا بالثورة على طواغيت العصر . هذا الصوت الذي يتردد صداه عند القرامطة الذين يعلن النواب انتمائه الكلي إليهم . 

م.م احسان العجلان /  الجزء الثالث

إن هذا الانتمـــاء ( الكلي ) للقرامطة لم يكن انتماءا ثوريا فقط بل انه يخفي في ضفته الأخرى سببا لايقل في خطورته عن الأول شيئا ، والمتمثل بالبعد الصوفي . 

فشخصية الداعي القرمطي ( حسين الاهوازي) المرجحة بأن تكون هي شخصية الحلاج كما يرى الدكتور محي الدين اللاذقاني( ) . شخصية ذات اثر كبير في فكر النواب إذ يتم استحضارها في النص بوصفها ( المعلم ) لتعاليم الثورة :ـ 

هؤلاء الفلاحون كم انتظروا

علمهم ذاك حسين الاهوازي

من القرن الرابع للهجرة

علمهم علم الشعب على ضوء الفانوس

ولا والله على ضوء الظلمة

كان حسين الاهوازي

بوجه لا يتقن إلا الجرأة والنشوة بالأرض

وقال انتشروا

فانتشروا

كسروا الأنهار كسورا مؤلمة برضاها

أشاعوا الظلمة والأوحال وراء النخلة

وانتشروا

لفوا جسدي بدثار زركش بالطير

وأورثهم إياه حفاة الزنج

فقلت 

لقد علمهم ذاك حسين الاهوازي 

عشية يوم في القرن الرابع للهجرة  

 فشخصية الحسين الاهوازي أو الحلاج تمثل ظاهرة فردية في مواجهة الدولة من خلال دورها التثقيفي بوصفها قطبا أو حجة ، وهذا القطب يسعى إلى نشر تعاليمه في الوسط الاجتماعي من اجل إقامة الدولة المشاعية التي يتساوى تحت ظلها الأفراد ، وأرى إن النواب قد تنبه إلى دور القطب الثائر في تحريك المجتمع بقوله : ( علمهم) . فاستحضر شخصية الحسين الاهوازي / المعلم أو المرشد للثوار الزنج ومن بعدهم الفلاحين القرامطة وهذا ما يؤكد الرأي القائل بأن الحلاج هو الحسين الاهوازي نفسه لارتباط اسم الرجل بالحركتين معا كما مر سابقا . والنص السابق لا يكتفي بالإشارة إلى هذا الأمر فقط . إذ إن عبـــارة (أشاعوا الظلمة والأوحال وراء النخلة وانتشروا )  تدفعني إلى الظن بأن النخلة هذه هي ذات الموضع الذي ذكره المتنبي من قبل بقوله :ـ 

ما مقامي بأرض نخلة إلا      

كمقام المسيح بين اليهود  

( فأرض نخلة ) هذه في الشام معقل الحركة القرمطية . وما يؤكد هذا الظن العلاقة الأكيدة بين المتنبي وال حمدان الذين تربطهم بالقرامطة علاقات سياسية راكزة ،وكذلك علاقة المتنبي مع بني كلب الذين يمثلون مادة قرامطة الشام  الذين اظهر فيهم ( المتنبي ) دعوته الثورية . ومما تقدم يظهر التصوف الاجتماعي الثوري بوصفه الوجه الآخر لحركة  القرامطة إذ إن الحلاج ذلك المتصوف الذي ربط السماء بالأرض، يمثل  حلقة  الوصل بين القرمطة والتصوف، من خلال انتقاله من  مرحلة الكفاح الثوري المسلح إلى مرحلة التمرد الفكري السياسي والاجتماعي، الرامي إلى تغيير النظام السلطوي. 

ولابد من الإشارة إلى الشبه الكبير بين رحلة الحلاج الثورية ورحلة النواب كذلك، فالنواب لم يعرف الاستقرار ، إذ قضى جل عمره مطاردا ، مشاركا في حركات التمرد في جنوب العراق ومعايشا للثوار في فلسطين وجنوب لبنان وعمان وأرتيريا وغيرها . ولم يستقر به المطاف إلا بعد إن أضنته التجارب واعتصرته الدهور . فاتكأ على تجربة نضالية ناضجة وغنية بالتحدي، ليستريح استراحة المحارب ، محللا وناقدا الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تدور من حوله، ومهاجما الأنظمة العربية التي قمعت شعوبها فكريا واقتصاديا وسياسيا وهذا ما يشير إليه بقوله :ـ 

 هذا مارس كل فسوق العالم بالسلطة قدام الجمهور  

 وألب حتى الدرجات المنحطة جدا  

 مولانا كان يعلم خارج ما علمه الكهان 

 وسفه كل معابدنا 

 يا حضرة حاكمنا ..

 مشتبه يعشق جسر الكرخ الخشبي 

 =    =    =

 يخوزق أعراض الطبقات المرموقة 

 يرفع خصية ثور 

 يهزأ قدام قصور السادة والحرم الجمهوري  

 ويشتم تكيتنا

 قالوا يقتل … ينفى 

 يقتل .. لا تكفي هذه 

 لابد يشوه بعد القتل ثلاثة مرات 

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان