د. عبد الإله الصائغ / الجزءاالثاني
تحضرني غصة تتماثل لعيني كلما قرأت شعرا للمبدع عزيز السماوي ! ففي سبعينيات القرن العشرين زارت نجمة الإنشاد الأوبرالي العالمي الدكتورة سلوى شامليان (من اصل عراقي ) بغداد لكي تقدم عروضا اوبرالية وصادف ان تعرف اليها الصديق المخرج التوركماني عرفان صديق دايلة واقترح عليها زيارة دار الشؤون الثقافية في تلفزيون بغداد حيث كنت اعمل والتقيتها هناك ! ومن خلال عدد من اللقاءات طلبت مني ان انتقي لها شعرا عراقيا يناسب الانشاد الاوبرالي فهي تريد ان تقدم وفاءها لبلدها الأصلي ! فقرأت لها نماذج من الاشعار الفصحى والشعبية فكانت تستحسن هذا وتتردد مع ذاك ! فاذا انشدت لها قصيدة للشاعر عزيز السماوي هتفت بي مسرورة ان هذا الشعر يعتمد ايقاع النبر اكثر من ايقاع الكم ! وقتها ظننت الأمر شيئا من هلوسات المبدعين الكبار ! ولكنها وان كانت لاتحسن العربية الا ضئيلا فانها اخرجت قلمها ورسمت خطا افقيا ! تحته وفوقه تكوينات تشبه النوتات وجهها الى اسفل كما لو كانت علامات بيانية ! وبدأت تضع الرموز الموسيقية على جمل شعر السماوي عزيز وتنشده في خيالها ! وطلبت مني مساعدتها في انتقاء قصيدة طويلة لعزيز السماوي فاخترتُ اغاني الدرويش وكنت اقرأها لها بطريقة الترنم الايقاعي الذي يقطع الكلمات وفق انتماءاتها العروضية ! واشرح لها بعض ما يعسر عليها فهمه قارن للمثال من صفحة 101 من اغاني الدرويش
روحي المالكَت بس بالبجي… اسرارك …
اسرارك …
اسرارك …
أسرارك ….
وفيما يلي محاولة من الصائغ عبد الاله لاستذكار جهد شامليان مع شعر السماوي !!
وبدأت المشروع الفذ المنتظر لكن المضايقات التي واجهتها مغنية الباليه العالمية سلوى شامليان من قبل ادارة معهد الفنون والدائرة الموسيقية حين تعاقدت معهما جعلتها تفر من العراق وتتخلى حتى عن حقوقها المالية ! ما يهم موضوعي انني تخيلت عزيزا السماوي سيفرح ويجن ويرقص كعادته حين تتناهى اليه اخبار مفرحة ! لكن المفاجأة ان عزيزا لم يبد عليه اي تعبير ! فقط اعترف لي بانه غير قادر على مقابلتها ! لماذا ؟لا ادري !! وكنت احترم في عزيز حتى نزواته غير المسوغة كهذه ! وطوى التاريخ صفحة في الاوبرا والشعر الشعبي كان من الممكن ان تكون بداية لعصر اوبرالي عراقي مجيد ! وهذه الحكاية التي لم يعرف عنها احد شيئا سوى صديقنا الاستاذ عرفان صديق دايلة حياه الله اينما يكون ! تقودني للحديث بحرية عن اشتغالات عزيز السماوي الموسيقية ! فلقد كان عزيز اسطورة في التحسس الجمالي مع النغم ! وكانت محاولاته تنبع من قراءته لنظرية المحاكاة الدلالية عند ابن جني وهي نظرية نشوء اللغة وهذه تختلف عن نظرية المحاكاة البصرية الافلاطونية ! بمعنى ان عزيزا حاول ان ينقل الى القصيدة صوت المطبج وزفيف النوارس بين الهور والقصب وانزلاق المشحوف في المساء ! وصهيل الخيل وهديل الحمامة وفحيح الافعى . . وازعم انه وفق كثيرا في مسعاه لولا ان داهمته الغربة القاسية والمرض الغادر وما يشبه العمى !








