عبد الرحمن جمعة الهيتي
الجزء الاول
صعود النخيل وركوب الخيل عند التسابق في ايام الافراح والاعياد والجري في الالعاب والتجديف في الزوارق والسفن الكبيرة والعمل في الحرف المتعددة والرقص في الجوبي.. اكسب الهيتي قواماً ممشوقاً وجسما مفتولا ونشاطا مميزا. وكل ما يلبسه جميل وانيق وان كان بالياً. دشداشته من القماش الاسمر. وهو كذلك يجيد حسن اختيار حاجياته وهو في مسغبة العيش.
جاء يوما من عمل في السماوة الى بغداد.. تعب من سفر دام يومين. وقف عند دكان في اسواق بغداد.
ساله أعندك جماغ ياباني.؟
قال البزاز.. نعم.. واعطاه لندني الصنع!! مستغفلا الرجل. نفضه وتلمس قماشه ولونه.. قرأ علامة ومكان الصنع قال للبزاز انه لندني الصنع ايها البزاز.. “تله” بقوة وقال لا ادري ان من مثلك يقرأ الانكليزية.
والمرأة العربية الهيتية جميلة ورشيقة مكتحلة العين قمرية الوجه. ناحلة الخصر خفيفة الحركة عذبة اللسان والبيان قالت الاغنية الشعبية فيها،
(شطيب ريحان يزهي بلا ميه)
تخيط بيدها الملابس وتتفنن في الخياطة والفصال وتجيد وضع الشذر والخرز في الزيق والصدر يخاط “سبعة” او “دلعة” او “ومربعة” او “قلب الحب” وخاصة في قماش “شارميز” الذي يشبه قماش الستن ولكنه مخطط وبالوان الوردي والاحمر، وقماش “البرصة” الذي يشبه “الكتان”. وقماش “القز” الناعم الملمس. وكن يلبسن “الصاية ام اردان” فهي جميلة لطيفة ان تحركت بها تشبه الطير.. او عندما ترقص في حفلة عرس. وتعقدها خلف رقبتها حينما تعمل في البيت.
المرأة الهيتية تملك من الإيثار ما يفوق التصور وإليك واحدة. ام لها خمسة اولاد حرصت على ان تدخلهم المدرسة تودعهم في الصباح بعد فطور بسيط، وتستقبلهم بفرح الام الحنون، وتستمع الى دروسهم الواحد تلو الآخر رغم اميتها، لكن لحن القراءة وانسيابية النطق يدلها على حسن الحفظ وتمامه وخاصة في غياب الزوج في سفراته في “الشخاتير”، تخيط لهم الملابس وتحاول ان تظهرهم بأجمل ما يكون وما تملك الا ثوبا واحدا.
وحين تغسله تبقى ملتحفة بالعباءة، تستعجل الشمس في امتصاص قطرات الماء من ثوبها الوحيد لتلبسه.
وكانت ملابس النساء في مدينة هيت جميلة الا انها معتمدة على انواع قليلة لا تتعدى اصابع اليد، منها قماش شارميز ذو اللون الوردي و”البرصة” و”القز” وقماش جيناوي يعمل منه زبون وقماش اطلس، وما يحاك عند الحائك.
وغالبا ما كان الفصال واحداً.. فصال “ابو الجرس” .. وفتحات للصدر مختلفة وجاءت امرأة بفصال ابو الجنطة اي جمع القماش في جهة عند الخصر.
اما لباس الرأس بالنسبة للمرأة فهو “الجرغد”، قماش من البريسم اسود لونه ولباس النساء كبيرات السن (مربد) له حاشية بشناشيل تعمل من البريسم تتدلى عند اللبس على جبهة المرأة. ونوع أحمر مائل الى السواد.
وهناك صباغ في المدينة يصبغ القماش الاسمر باللون الدارسيني او الاسود او الازرق عند الحزن.
شاميرز وكاز ومشطات
الروس كلهن لابسات
خوي مكذلات والنخيل
على المتن مرمية
اما الاحذية التي تلبسها النساء منها (نعل تختة) اسود اللون معمول من اللاستيك له سير واحد لكل فردة، والقبقاب المعمول من الخشب وهو صناعة محلية، وهناك الحذاء العجمي المعمول من اللاستيك معقوف من الامام ومن الخلف.
ولباس الرجال اغلبه من القماش الاسمر مما يحاك عند الحائك ويلبسون الدميري، والزبون وما يعمل عند الفرائي من اليلك والخيالية والفروة.
واما الاحذية منها النعل معمول من اللاستيك، او الحذاء اليمني خف كبير احمر اللون.
غطاء الرأس الغترة والعقال يلبسه الكثير وهو دليل اكتمال الرجولة والعقل، ثم جاءت خياطة الصاية المفتوحة والتي يلبس تحتها لباس طويل.. والسترة وهي اكثر اناقة وجمالا.
قبل اعوام
في مطلع ستينيات القرن الماضي اسست وزارة الارشاد آنذاك مركزا فولكلورياً كان من ضمن نشاطاته تأسيس مكتبة فولكلورية أهتمت بنشر مطبوعات في الفولكلور العراقي، وكانت ايامها خطوة غير مسبوقة ومبكرة في الاهتمام بالكتابة في موضوعات الفولكلور وشؤونه الواسعة، وكانت غرة مطبوعاته كتاب المدخل الى الفولكلور العراقي للمرحوم عبد الحميد العلوجي والاستاذ الرسام والكاتب نوري الراوي، كانت الخطوة مهمة وكبيرة ورائدة، مهمة لانها فتحت الباب امام الكتاب لنشر نتاجاتهم في موضوع لم يذع صيته حينها في ربوعنا ولم تزد الكتابة فيه على ما ينشر في الصحف والمجلات واغلبها لا شأن له بالفولكلور وبعضها لا يعترف اساسا بشيء يسمى (الفولكلور)، وكبيرة لانها تحتاج الى رصيد من الجهود يوازي ضخامة المشروع وتكاليفه المادية والمعنوية، ورائدة لانها غير مسبوقة على امتداد رقعة الاقطار العربية، ومن المحزن ان تتعثر هذه الخطوة وتنطوي لتتحول الى كتب متناثرة في شؤون الفولكلور لا توحدها سلسلة ولا يجمع شتيتها مربط.
في سلسلة المكتبة الفولكلورية اصدر عبد اللطيف حبيب كتابا في سنة 1962 اسماه: قبل اعوام.. صور قلمية في التراث الشعبي، تناول فيه عددا من موضوعات التراث هي: الملا، الساقي، ازياء ، وازياء ايضاً، الساس ، الهلاي، الخيرة، الكبسة،. وموضوعاته هي (خواطر) كما وصفها كاتبها تمر بنفسه فتشجيه وتسكره، يقول، كانت خواطر هذه الصور الشعبية تمر بنفسي فتشجيني وتسكرني، ولماذا لا نشجي وتسكر؟ الم يقدر لها في ايامها الماضية ان تنتشر؟ الم يقدر لها في حاضرها أن تضمحل؟ الم يقدر لها اخيرا ان أُجدد الحديث عنها بعد ان وجدت من يتولى حمايتها ويمنع عنها الزراية والعبث؟
ولعل عبارة المؤلف الاخيرة تكفي في الكشف عن هدف سام يتوخاه كتاب الفولكلور وباحثوه في الحفاظ على تراص الشعب من غائلة تقادم زمن يأتي بكل عجيبة وأمرها ان تختفي سلسلة المكتبة الفولكلورية وان يقوم على الاشراف على ما يكتب في الفولكلور اناس لاشأن لهم بالفولكلور او في افضل الاحوال وضعتهم الصدف في مجراه.








