ثقافة شعبية

بــــس يـــــا مطـــــر

محمد علي محيي الدين

 
بس يا مطر ديوان شعري صدر حديثا عن مجلة الشرارة النجفية للشاعر الكبير ناظم السماوي،ضم بين دفتيه قصائد تباينت  بالطول والقصر،طغى على موضوعاتها الهم الوطني ومعاناة العراقيين بغض النظر عن ظاهرها الغزلي الذي هو أسلوب تميز به نخبة من شعراء العراق المعاصرين في مقدمتهم شاعر الجيل مظفر النواب عندما أتخذ الأسلوب الرمزي في كتابة النص الشعري تحاشيا لإرهاب السلطة التي كانت تحصي على الشعراء أنفاسهم، فكانوا يتخذون  من الغزل الظاهر طريقا للتعبير عن توجههم الفكري ورأيهم السياسي ، وهذه الظاهرة برزت في ستينيات القرن الماضي وأصبحت ميسما لشعراء الشعب.  وكانت الثورة الشعرية على البالي من الأخيلة والمعاني والأساليب في سبعينيات القرن الماضي وظلت تتوقد لحد الآن لان ذلك الانجاز لم يأت من فراغ ،فكان الشعراء شاكر السماوي وعريان السيد خلف وعزيز السماوي وجمعة الحلفي وطارق ياسين و كاظم ألركابي وكاظم الرويعي وعلي ألشباني وكاظم غيلان وفالح الطائي وزهير الدجيلي، هؤلاء ارسوا قواعد المعرفة الكاملة للإبداع الشعري.. وصحوة المعادلة الشعرية في لغة حوارية متباينة كانت مرهونة مع الهم الإنساني الذي يعيشه المجتمع، في تلك الفترة.
ولو درسنا دواوين شعراء تلك الحقبة لوجدنا آلاف الأمثلة وناظم في صميمهم ،إن لم يكن في المقدمة واحدا من الشعراء المجودين الذين أغنوا القصيدة الشعبية بالرائع  من الصور والجميل من المعاني .
وناظم ما زال يسير على ذات النهج رغم كتابته للقصيدة المباشرة بعد سقوط الصنم،وفسحة الحريات التي وفرها العهد الجديد،وله أسلوبه المتميز بين شعراء القصيدة الحديثة فهو يقتنص الصور الزاهية من الحياة اليومية وواقع المجتمع العراقي ليضفي عليها من فنه الأصيل مسحة شعرية لتتوهج وتضيء جوانب معتمة في مسيرة الحياة.
ولو طالعنا قصائد ذلك الجيل لوجدنا لكل منهم أسلوبه المتميز وطريقته في النظم وتناول الفكرة ولو عرضنا قصائدهم غفلا عن أسمائهم لأستطاع القارئ معرفة شاعرها ،فأسلوب شاعرنا الكبير عريان السيد خلف له مميزاته التي تختلف عن أسلوب شاكر أو عزيز السماوي ،وكاظم الكاطع يختلف عن ناظم السماوي لذلك يتبين لنا أن لكل شاعر من رواد المدرسة الحديثة أسلوبه ورؤيته ومنهجه في اختيار المفردة وتلمس المعنى وخصوصيته التي تميزه عن الآخرين.
  والسماوي اقترنت باسمه أجمل الأغاني العراقية التي قدمت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، ولاسيما العقد السبعيني الذي ما يزال حتى يومنا هذا يمثل الأنموذج الحقيقي للأغنية العراقية الأصيلة، فهو يكتب بطريقة رائعة جعلت أغانيه تصمد أمام كل الموجات المتجددة في الغناء العراقي، لأن اختياراته للمفردات تتماشى مع الذوق الرفيع للناس،وله أكثر من ( 800) أغنية عراقية من أبدعها ( يا حريمه ) التي هي أغنية الفقراء إضافة لأغانيه الرائعة ( مو بيدينه نودع  عيون الحبايب ، وحـﭽيك مطر صيف ، صوت الغريب ، مروا بينه ، لا تسافر ، وعشك اخضر) وغيرها من أغانيه التي ما زالت طرية في أذهان الجمهور.
 وقارئ الديوان يتلمس النفس الطاغي في معظم قصائده،فهو يسمو بعلياء القصيدة لينطلق بها في سماء الإبداع..صورة معبرة عن واقع معاش وتطلع شفاف لغد أفضل.
 ولا يسعني في هذا الاستعراض بيان ما أشتمل عليه الديوان من قطوف دانية فهو واحة من الإبداع وحديقة مليئة بأزاهير وورود نابضة بالحياة،لذلك سألتقط درر من هذا البحر الزاخر بغرر الخرائد وجميل القصائد في دعوة جادة لدراسة هذه التجربة المتميزة في الشعر الشعبي.
 في “طير السعد”ينشد للوطن الذي منحه جل ما عنده عبر عقود من السنين، وغرر من إبداعاته التي أصبحت دارات تطرز سمائه :
الوطن طير السعد ويلمن أعشاشه
الوطن باب الفرح..نكتبله عالبيبان
ألك نلتم مناجل فلح غباشه
الوطن ..خبزة أهلنه..ويكره الأغراب
ويغضب لليمسه بصوت رشاشه
العراق اللبس طوله..
أشموس فوگ الگاع
العراق يظل شمس وغيومه تتلاشه
وقصيدته “ثمن دمعه” يحلق فيها عاليا في سماء الإبداع ويلتقط الصور من صميم الواقع ليجعل منها لوحة ناطقة عما آل إليه الأمر في ظل الانفلات الأخلاقي  والسقوط المدوي لمن تنكبوا جادة النزاهة وانغمروا في الفساد ولا ادري كيف فات الشاعر إعادة نشرها على الصفحة40 من الديوان ذاته تحت عنوان نزاهة الذي هو عنوانها الأصلي على ما أتذكر :
كش ملك.تاج أعله راسه
يخاف من تاجه يطير
وكش رئيس..المو رئيس..
بغير شعبه يستشير
وكش وزير..الـﭼان يحلم 
يوگف اباب الوزير
وكش امير الما يساويله
سعر رشمة بعير
وكش زغير الصار
بالقدره ﭼبير
وكش إذا صار الوطن 
لگمه حلال أعله الغريب
وكاس شربت من عصير
وكش إذا فوق الرصيف 
أيموت شاعر لو مثقف 
اغتالته طلقة حرامي
ينزع ويلبس حرير
هاي كلهه ما تساوي
لحظه من موقف عراقي
أبين روحه وعيشته
ونفسه يحير
هاي كلهه ما ترجع
ثمن دمعه
أتطيح من جفن الفقير
اشگد فرق بين الأصابع
شمع ذابت حالبه
وخبزه للوادم تصير 
اشگد فرق لليكتب
بروحه قصيده
تبات دفتر عشك
وياك بسرير
اشگد فرق لليرسم أقلام الرصاص
فوق رحلات المدارس 
جناح فخته أملّون 
وبالحب يطير
اشگد فرق لليسهر بليل ويفكر
يرسم ألضحكه وعصافير وبلابل 
وشمس بالظلمة يصير
اشگد فرق للگضه أيامه شريف 
وگصته بيضه
يفوح من عدها العبير
اشگد شريف إلباس
بسنيني العذاب
أعيون شعبه ويضل عاشگ للأخير
اشگد نضيف 
اليظل بفصول الزمن
ثوبه نضيف
الما ركع بس لاسم هذا الوطن 
ولله سبحانه القدير

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان