حينما ينحت الوجع ملامحه في المدن القصيّة من جنوب الحزن، يطلّ الحرف بكامل عذوبته ليتوضأ بماء الشعر، يقتفي قلوبنا المنكسرة حتى يفيء أملا بإستشراف النهار، وحينما تفيض غمامات نعمة مطر بالإبداع، تنصت قلوبنا بكل خشوع الى دبيب صياغته الشعرية المدهشة التي ظلّ يرفل تحت سقوفها الفائقة الجمال .له بصمة لاتخفى في كلّ مناحي الإبداع، كتب شعرا لأجمل الأصوات العراقية، صاغ الاوبريت على نحو بليغ، ومثّل فوق خشبة المسرح بروح هائلة .
رغم انه منزو في احد احياء العمارة القريبة من النهر يعاقر شتاء السؤال وصيف الذكريات، لكنه ماانفك في الغوص عميقا في اهوار ميسان وريفها الساحر وهو ينتقي مأساته اللفظية من جسد تلك الأماكن العابقة بالجمال.
وللتقرب من عوالمه المتدفقة إبداعا كان هذا الحوار:
ضياء الاسدي
الاوبريت
* متى كتبت اول اوبريت في حياتك ؟
– اول اوبريت كان عام 1969 سميته ( لا يا كمر ) سجل في تلفزيون البصرة وكنا نتناول شخصية الفلاح اثر الهجرة التي حدثت من القرية الى المدينة ، الريف كان عامراوانا ابن المدينة، لكني عشت في الريف في عام 1958حينما عينت معلما في مدارس نائية جدا في اهوار السودة والبيضة وابو شعير لمست واقع الهور لمس اليد، فشاهدت الطيور وانواع المشاحيف اي ان تجربة الهور كانت واقعا ملموسا وانطوت على الموضوعات التي اكتبها ، فقد وردت مفردات مثل كاهن وهي الممرات التي بين الاهوار في شعري كثيرا وهي مفردة قديمة استحسنها زملائي الشعراء فذكرت مرة ( شفنه كاهن ما نشف فد يوم من الماي رسه) .
* من افضل من كتب الاوبريت في العراق؟
– هم بعدد الاصابع .. منهم الشاعر الغنائي الكبير الراحل زامل سعيد فتاح كان قد كتب اكثر من اوبريت وكذلك الراحل مهدي السماوي كتب الاوبريت ايضا ، وكامل العامري وعبد الرزاق المطلبي .. وقد خدمتنا الصحافة والاعلام حينها .
* الى اي مدى خدمك المسرح في كتابة الشعر؟
– خدمني المسرح كثيرا في كتابة الشعر في انتقاء المفردة الحية التي تحمل طراوة الروح و في احدى القصائد التي غناها كريم منصور والتي اقول فيها:
بستان حظك نخل
والبستان بيه محصول
وبستان حظي اثل
بس للذرة مشتول
الكثير من اقراني الشعراء قالوا لي باني كنت متاثرا كثيرا بالمسرح وانا ادون تلك القصيدة ، كذلك خدمني الشعر في كتابة المسرح كثيرا فقلت مرة في احد الاوبريتات (سم الغابر زلوفه والمنجل تارس جفوفه) .
مركبة فضائية
* من الاكثرمنك قربا من الشعراء ؟
– عريان السيد خلف اخجل كثيرا حينما اسمع بمحبته لي .. حينما اتى الى العمارة سأل عني وقال لي ماذا فعلت بي يا نعمة
وسألوه مرة .. لو تصعد مركبة فضائية وطلبوا منك ان تصطحب معك ثلاثة اشخاص فقال اصطحب الشاعر العملاق كاظم خبط
وعلي الشباني ونعمة مطر حتى يقرأ لي نص بالبواجي.
* انت تنقلت بين الشعروالمسرح اين وجدت نفسك ؟
– كانت لدينا جمعية رسمية اسست عام 1960 باسم جمعية الشعراء الشعبيين ضمت كريم القصاب والراحل خنجرخصاف بعدها تكونت جمعية الطليعة وارادوا ان يعملوا لنا اوبريتا كتجربة اولى .. فعملنا مسرحية غنائية وقد مثلنا فيها انا وعلي حسين عباس وقالوا دعونا نكلف نعمة مطر ليمثل دور الفلاح كوني امتلك باعا طويلا في التمثيل وقد كانت تلك المسرحية حملت عنوان( تولد من جيد) وهذا اول اوبريت عمل قبل( بيادر الخير) اخرجه الراحل عبد الرضا جابر وهو خريج اكاديمية فنية .. اتى الينا مسلحا بالثقافة وقد استشهد الرجل فيما بعد رحمة الله عليه، وقد عرض هذا الاوبريت في الكوت وفي العمارة أذهل الناس وبكوا اكثر مما بكوا على فيلم هندي استمر الاوبريت ساعتين من الغناء والموسيقى وكان فيه جهد وابداع كثير وقد تفوقنا فيها ولم يكن حينها حتى في بغداد اوبريتات مثل هذه بل حتى في القاهرة حينما زرتها عام 1976 شاهدت مسرحية حملت عنوان
( الف عام) كان المسرح دوارا وجميلا وحتى ان طائرة هليكوبتر هبطت في المسرح لكني لم المس في وقتها تلك الروح المسرحية الحقيقية التي كانت لدينا.
جوائز
* هل حصدت جوائز فنية لجهدك في اداء وكتابة الاوبريتات ؟
– حصدت الكثير من الجوائز وقد كرمنا اكثر من مرة انا والشاعركاظم فندي الذي شكل معي ثنائيا ناجحا في الاوبريت .
* عشقك للمسرح والاوبريت ما زال يتقد في داخلك … ماذا لو طفح شوقك لهما وسط تلك الظروف التي يعيشها العراق ؟
– نعم اشعر بمعاناة حقيقة .. الجميع يتمنى من محبي الفن الاصيل عودة الاوبريت
ولكنك كما ذكرت فان الظروف غيرمناسبة من جميع النواحي ، الوضع السياسي متأزم، هموم الناس، المشاكل التي يخلفها الارهاب، الوضع العام ثم ان الاوبريت بحاجة الى عشيرة كاملة من منتج وجهة داعمة وموسيقى ، حينما كنا نعمل اوبريتات في السابق كانوا حتى عوائل الطلبة يأتون معنا وكانت خامتنا المدارس
.. الان الناس منشغلة بهمومها .. والاوبريت يحتاج الى استقرار .
مونودراما
* اقصد لو هيأ لك وكتبت أوبريتا عن ماذا تكتب ؟
– انا كتبت الاوبريت لكني لا استطيع اداءه كتبت قبل فترة
عن عودة الانسان الى الهور
وقلت فيه ان الهور رجع كطبيعة ولكن اين انسانه الاصيل وقد غمرته المدنية الان ، وهو اوبريت كامل وقد ادخلت فيه جانبا اكاديميا وبذلك فهو عمل غيرمطروق وبعيد عن السياسة اقول فيه ان الهور رجع بطبيعته العملاقة بحيواناته بكل اشيائه .
* هل كتبت المونودراما ؟
– نعم وقد ذكرت ذلك الفنانة انعام الربيعي في لقاء معها عبر صفحات جريدة الصباح وقالت فيه ان نعمة مطر وكاظم فندي إشتركا في مسرحية ضخمة وكانت تمثل بداياتي وانا اشكر من يذكرني ومن لا يذكرني ( الله يوفقه).
* كيف يصبح نعمة مطر الشاعر وهو يكتب الاوبريت؟
– نعم في موالاتي انكسر انكسر ثم اشرق .. دائما احب الاشراق وانا اتمرن على كتابة الاوبريت في داخلي ، وكتبت اثر ذلك صوت الكاع ، السدرة ، الصيادين ، عونك يا وطن .. وكان كل اوبريت يمثل مرحلة معينة في حياتي .
مواهب متعددة
* قلة من الشعراء من نجد لديهم تلك المواهب المتعددة؟
– نعم وقد قال لي على اثرها احد الشعراء باني عملت فضلا على الشعر الشعبي المحكي واجبت في حينها .. بان حتى الشاعر الكبيرمظفر النواب وبشهادة الشعراء الذين كانوا معه في الزنزانة كان يدندن القصيدة التي يكتبها وكان صوته جميلا .
* نعمة مطر الشاعر والمسرحي هل لنا سماع قصيدة تمزج بين عالميك الثريين؟
– عاقول الجفن لو ما غمض ليله
وبردية الظهرلو ما يشد حيله
همومي جن حريجة وسرت بيها الريح
كلت ثوب الشريفة وحركت الشيلة
همومي رضيع إنشلت أمه وحضنت الكاروك
بيا عيد التهزة لو تلوليله
لعب بيه الزمان وشو غداني رماد
وجايب طبلته ويريد اغنيله
وكح ما يدري بأحوالي الجره والصار
ما يدري القلم بطل مواويله
مثل هاون الربعه النجره البين
يظل يبجي عله حاله
ويحلم بهيله








