حامد كعيد الجبوري / الجزء الاول
* المقدمة :
—————
ليس من السهل الخوض بما قيل ويقال عن ثورة العشرين وقد بحث فيها أكاديميون واختصاصيون تاريخيون كُثر ، لست بصدد ذكر أسمائهم ، وقد تشكل لي مما قرأت عن ثورة العشرين مجمل رؤى واستـنتاجات شخصية سأوردها من خلال سطور هذه الموضوعة ، والكثير يدعي أنه هو من أجج شرارة الثورة متناسيا أدوارا أخرى لشرائح ، وطوائف ، وأعراق عراقية مساهمة بهذه الثورة الخالدة .
* دخول القوات البريطانية للعراق :
————————-
أيلول سنة 1914 م دخلت القوات البريطانية الغازية الى العراق من منفذ الفاو الذي يطل على الخليج العربي ، ولدخول القوات البريطانية العام 914 م ودخول القوات الأمريكية الغازية العام 2003 م ومن المنفذ نفسه لإعتبارات إستراتيجية كثيرة ، أولها أنها المنفذ البحري الوحيد للعراق ،و معلوم أن تكاليف النقل البحري أيسر بكثير من غيره ، وثانيهما أن القوات البريطانية تتمركز في مستعمرة الهند ، ومعنى ذلك تجنيد الرجال الهنود للقتال مع الجيش البريطاني بأجر زهيد يقل عن أجر الجندي البريطاني بكثير ، وليس غريبا ان تتفق آراء الطرفان البريطاني والأمريكي لدخول العراق من الفاو لاعتبارات كثيرة أهمها المذهبية ، لتوقع لاحقا بتلك الطائفة الخسران الكبير ، ولتخلق جوا من الاتهامات غير المبررة إلا لدى الجهلة من الطوائف والأعراق ضد تلك الطائفة التي دخلت القوات من خلال منفذها الواسع والمهيأ لدخول السفن والجند الى البلاد ، ومعلوم للجميع ما حدث في الفاو من معارك طاحنة قادها أبناء تلك الطائفة المتهمة وتاريخنا الحديث يذكرها بشئ من الخجل والتناسي لما قدمت من ضحايا بشرية على مصارع الحرية في مدينة الفاو الباسلة، وغاية القوات البريطانية آنذاك هي احتلال العراق ودحر الإمبراطورية العثمانية للسيطرة على خيرات البلد أولا ، ولحماية منابع النفط والسيطرة عليها جنوب غرب إيران ( عبادان ) ثانياً وهي الغاية الأساسية .
* معركة الشعيبة :
تحركت عشائر العراق الجنوبية ، وعشائر حوض الفرات الأوسط ، ومتطوعون كرد بقيادة الشيخ (محمود الحفيد ) العام 1916 م بعد ان بسطت القوات البريطانية سيطرتها بعد معارك طاحنة على مدينة البصرة وعسكرت تلك العشائر والمتطوعون في منطقة ( الشعيبة ) بعد ورود معلومات مؤكدة لنية القائد البريطاني الجنرال (مليس) التقدم نحو بغداد ، وفعلا بدأت حملة تلك القوات البريطانية صوب بغداد ، وبدأت معركة طاحنة بين الطرفين ، وبسبب ضعف قيادة القائد التركي ( سليمان باشا ) ، وقلة الإمدادات التي تصل لساحة المعركة ، وعدم تسليح العشائر بسلاح يقارب سلاح الجيش الغازي ، والانسحاب التكتيكي للقائد الانكليزي ( مليس ) ، كل ذلك مجتمعا أدى الى خسران المعركة وانتحار القائد التركي ( سليمان باشا ) وإيقاع الخسائر الفادحة بالقوات المتحالفة ، مما أدى الى بسط نفوذ القوات البريطانية على الناصرية والكوت والعمارة والتوجه بالزحف نحو بغداد .
* معركة سلمان باك :
حفاظا على بغداد من أن تسقط بيد المحتل الانكليزي تحصن الجيش التركي بمنطقة ( سلمان باك) لصد الهجوم ودارت معركتان طاحنتان أدت الى فرار الجيش الانكليزي صوب الكوت ، وتعد تلك الهزيمة أسوأ خسارة للجيش البريطاني بمعارك الحرب العالمية الأولى ، وحوصرت القوات البريطانية من قبل العشائر والأتراك في الكوت لمدة ستة أشهر مما أدى الى استسلام القائد الانكليزي الجنرال ( تاوزند ) وهروب جيشه فتعقبتها العشائر العراقية لتوقع فيها الخسائر الفادحة في ( الحي) و( النعمانية ) و ( الصويرة ) ، ورغم خسائر الجيش البريطاني فقد أستطاعوا احتلال بغداد من محاور أخرى وهرب الجيش العثماني صوب سامراء بعد أن أحرق مخازن العتاد المخزنة بـ ( باب الشيخ ) من بغداد ولم يسلمها للعشائر العراقية وسقطت بغداد بيد القائد الانكليزي ( ستانلي مود ) في 11 / 3 / 1917 م .
• الإدارة المدنية في العراق :
بعد السيطرة على بغداد العام 1917 م بقيادة (ستانلي مود ) قررت الحكومة البريطانية تشكيل ( الإدارة المدنية في العراق ) وترأسها السير (ارنولد ولسن) حتى العام 1918 م ، فتبعه السير (بيرسي كوكس) الذي ألغى العديد من المؤسسات الإدارية العثمانية ، وانشأ محلها مؤسسات عسكرية لإدارة الشؤون المدنية ، ونصب عليها ضباط انكليز برتب عالية ، فحكموا بشكل صارم ومهين للعراقيين .
• أسباب اندلاع ثورة العشرين :
من أهم أسباب ثورة العشرين هي السياسة البريطانية التي عزمت على ( تهنيد العراق ) وضمه لاحقا الى بريطانيا العظمى ، وشن حملة واسعة كما ذكرنا سالفا وربط العراق بمنظمة ( الكومنويلث ) ، والسياسات الجائرة من قبل المحتل البريطاني ، وامتهان الكرامة العراقية الممثلة بعدم احترام شيوخ العشائر ورجالات الدين وشرائح المجتمع الأخرى ، وقد أستدعي الشيخ ( شعلان عناد ابو الجون ) شيخ عشيرة ( بني حجيم ) في الرميثة لمقر الإدارة المدنية في بغداد يوم 30 / 6 / 1920 م ، ودار حديث غير مؤدب معه من قبل الحاكم المدني الذي أمر بتوقيفه وإرساله مخفورا الى سراي ( الرميثة ) ، ومعلوم ان الشيخ شعلان كان رأسه يرتعش من مرض مصاب به ، فأعتقد الحاكم البريطاني أن شعلان كان خائفا منهم ويرتعش من خوفه ، وقال البريطاني له ( نحن لا نخاف من رجل خائف يرتعش) ، فأجابه شعلان ابو الجون وهو العارف بـ ( الهوسات) العراقية والكاتب لها ( أرعش ما أرعش هذا آنه ) ، ويقال أن شيخ عشيرة آخر أسمه الشيخ شعلان العطية هو من أرتجل هذه الأهزوجة ( أرعش ما أرعش هذا آنه ) ، ولا يصح لدي مما تقدم أن الأهزوجة ( أرعش ما أرعش ) للشيخ شعلان العطية ودليلي لذلك عدم وجود أهازيج أخرى تنسب له ، في حين أن الشيخ أبو الجون له أكثر من أهزوجة مسجلة باسمه سنوردها بمحلها ، وحينما علمت رجالات العشيرة بحبس شيخهم – شعلان ابو الجون – هبوا لنجدته واقتحموا السراي وأنقذوا شيخهم شعلان من سجنه بعد مقتل عدد من حراسه وهروب العدد الآخر ، أضف لأسباب ثورة العشرين الوعي الوطني والديني لرجالات العشائر ومما ينسب الى شعلان ابو الجون قوله هازجاً ( حل فرض الخامس كوموله ) .








