نعيم عبد مهلهل
قدري مع السيد وجيه عباس ، انه يمتلك الريادة في نقل أنباء موت قديسي الفنادق المهجورة والجيوب الفارغة والقلوب الأنيقة . فعلها مرة مع عقيل علي ..ذلك السندباد الفاتن الذي كان يكتب بمقدار مساحة الحلم في عيون فراشة ، و فعلها مرة أخرى في نقل تفاصيل موت خاتم ذهبي آخر من مخشلات الأدب العراقي. عبد اللطيف الراشد … القريب من سعال سارتر ، والبعيد عن فتنة شعر الصالونات . قال لي في أخر مشاهدة ، التقيته فيها في صالة فندق المنصورــ ميليا في آخر مؤتمر لمثقفي العراق قبل سنوات: أنه ينتظر الموت كما تنتظر الوردة الخريف كي يخلصها من رتابة ربيع ممل لا يحمل سوى الأماني التي لا تتحقق على حد قول جاك بريفر: نحن التائهون في الموانئ وأقبية بيوت العاطلين لا موسيقى لدينا سوى سعال التبغ … كان يسعل بقوة ..وكان صوته الفخم يضع شروط وجود مؤقت لكيانه الهزيل ، المتعب ، من شحة المال ، والدفء ، والخمرة المسلية ، والأمان . وبالرغم من هذا أمتلكَ سعادة فطرية وهو يلتهم طعام الغداء المقدم لضيوف المؤتمر وبين فينة وأخرى يقول : لا تنسى أن تذكرني ، كي اكتب رسالة إلى ابن خالتي نزار في الناصرية . كتب الرسالة : كان خطه أنيقا ، وعباراته العائلية تنم عن تمرد مشحون بلحظة الإحساس بوداع يطول . شتم ، ولام ، وتأسى ، ثم كتب بفطرة ارتعاش الأصابع شعرا سرياليا لا تفهمه حتى ذاكرة سلفادور دالي … منذ سنوات مات عبد اللطيف الراشد ومات رعد عبد القادر وعقيل علي ويوسف الصائغ واحمد ادم وآخرون .. ما الذي سيتبقى بعد شعائر الرثاء والمناقب واهتراء لافتة التعزية واصفرار ورق الجرائد الذي يحمل شاهدة نعي الشعر بموت شاعر ..؟ لاشيء يبقى ..سوى إن الزمن يمضي .وسيولد شعراء جُدد ..ولكن بطعم مختلف .. إذ لن يولد رامبو آخر ، أو امرؤ القيس ، أو دانتي ..او كافافيس أو البياتي..! سيجئ الجُدد ويموت القدامى غير أن عطر الحلم يظل يلاصق ذاكرة الموت . وسيبقى أولئك الذين نسوا الحياة في خضم كتابة القصيدة في المقدمة .. انقياء ، فقراء ، أشقياء ، فاكهة ترف القراءة ، وعازف الناي الجنون لهم التحية لأنهم في كل أوقاتهم يقفون قبالة البحر……..!








