ثقافة شعبية

مدينة الحي .. تراث وموارد مهددة بالانقراض، فمن ينفض عنها غبار الزمن؟

حسن شهيد العزاوي / الجزء الاول

 
عرفت هذه المدينة(الحي) التي يبلغ عدد سكانها  (58184 ) نسمة وتبعد بمسافة ( 43 ) كم جنوب مدينة الكوت باتجاه محافظة الناصرية بتقاليد العشائر والقبائل متمسكة بتقاليد واصالة ابن العشيرة بعد ان سكنتها العشائر العربية المتميزة والمعروفة بالأصالة والكرم مثل ( زبيد والدلفية والمعامرة وال غافل وال غريب  وال كصاب وال ياسين وبيت داود الخميس وبني تميم وخفاجة  وعنزة  والشيباويين ومياح والسراي وقبائل اخرى ) .
 
مقامات ومراقد 
وانت تقبل على هذه المدينة العريقة لابد ان تتجه الى زيارة مرقد العبد الصالح الجليل ( سعيد بن جبير ) والذي يقع على أطراف المدينة وقصة هذا الصحابي معروفة لدى الجميع فهو الذي قاوم الظلم وصرخ بوجه الحجاج بن يوسف الثقفي بكلمة ( لا ) مدوية، معارضا ما تسبب به من انتهاك لآل الرسول وقمع للشيعة ومحبيهم حتى ردد هذا العبد الصالح قبل ان يقتله الحجاج داعيا ربه ( اللهم اجعلني اخر من يقتل على يد الحجاج ) واستجاب الله عز وجل دعاء هذا العبد حتى جعل الحجاج يلقى حتفه بعد عشرة ايام من قتله ( سعيد بن جبير ) حتى اصبح مقام العبد الصالح  مزارا يتبرك به اهل واسط بعقد القران وفك الخصومات والنزاعات العشائرية في ما بين القبائل .
وهناك مرقد الامام ( العكار ) والذي يعود نسبه الى الامام المعصوم موسى الكاظم ( عليه السلام ) ومرقد ابو الرايات الذي يقع على الناحية الاخرى من النهر ويعود نسبه ايضا الى الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ومرقد العالم ابي ذر وهو ليس الصحابي ابا ذر الغفاري ( رض ) وانما العالم الجليل احد التقاة الورعين .
 
تاريخ انشاء المدينة
تناول تاريخ الحي عددا من الكتاب المعروفين والمختصين في كتابة التاريخ لذلك تضاربت انباء نشوء هذه المدينة ،فمرة نجد تاريخ تأسيس هذه المدينة قبل العام 1797 كما دون في كتاب رحلة جاكسون ، وفي رواية اخرى تقول ان مدينة الحي تأسست منذ نشوء نهر الغراف الذي يمر بهذه المدينة ،واشار الينا احد المواطنين في الحي والذي جعل من بيته متحفا يضم انواعا من القطع الاثرية وصورا لشهداء المدينة ومؤسسيها وكتابها وعلمائها ومفكريها اضافة الى قطع اثرية خاصة بتاريخ المدينة تعود الى اكثر من ثلاثة قرون لذلك دونت هذه المدينة من المدن التاريخية والتراثية .
يقول الكاتب الصحفي والمختص بتاريخ الحي ( علي فضيلة الشمري ) ان تاريخ هذه المدينة يعود للفترة ( 1810 – 1816) حسب روايات وأحداث أشارت لها أحد الكتب التاريخية القديمة ولكن وردها  في رحلة جاكسون وهو أحد الرحالة الهنود والذي كتب عن مراحل رحلته العام 1797 ميلادي .
ويضيف الكاتب الشمري ان المدينة وجدت مع وجود نهر الغراف الذي تم حفره في زمن احد الملوك السومريين ليؤسس فرعا من نهر دجلة واقدم تاريخ ذكر لهذه المدينة هو العام 1500 ميلادي .
يقول السيد محسن بديري ( من معاصري مدينة الحي ) : في العام 1954 رفض أبناء هذه المدينة حلف بغداد الذي وقعه نوري السعيد ما ولد مصادمات بين السلطة واهالي المدينة وسجن عدد كبير من معارضي هذا الحلف وتم فصل عدد من طلبة اعدادية الحي التي  تأسست العام 1948 وكانت منبرا للعلم وكان يقصدها عدد من طلبة جامعة بغداد انذاك لاجراء تجارب العلوم والفيزياء لامتلاكها احدث مختبرات العلوم والفيزياء وقتذاك، التي القى في افتتاحها الشاعر الكبير الجواهري قصيدته التي قال فيها .
يا بنت رسطالين لحت بواسط
                                                   فنزلت حيا بالكرام ممجدا
واضاف انه في العام 1956 تمرد ابناء المدينة واعلنوا عصيانا مدنيا ازاء موقف الحكومة المتفرج على العدوان الثلاثي واعلن اهالي المدينة موقفا معارضا للحكومة ما ادى بالسلطة الحاكمة ان تستنجد بـ ( 1800 ) مقاتل  من قوات لواء الديوانية ولواء الناصرية ولواء الكوت بعد فشل المفاوضات التي جرت بين قادة الانتفاضة وشيوخ العشائر التي استنجدت بها السلطة الحاكمة لانهاء التمرد وتقريب وجهات النظر بينهم ما ادى الى نشوب صراع استمر لمدة اربعة ايام بين اهالي المدينة والقوات المقاتلة وسلبت المدينة وفرض حظر للتجوال وتم اعدام عدد كبير من قادة الانتفاضة منهم ( علي الشيخ حمود وعطا الدباس وكاظم الخياط ) من قبل وزير الداخلية ( سعيد قزاز ) الذي امر بتنفيذ الاعدام امام الناس والذي كان حاضرا وقت اعدامهم.
واشار الى ان مدينة الحي بقيت محتفظة بعاداتها و تقاليدها و سماتها وهي تصحو على نهر الغراف حتى امتازت بالحرفة والصنعة الشعبية التراثية والأعمال اليدوية والتألق في فن النجارة والسراجة والحدادة والطرق على النحاس والحديد حيث لم تأت هذه الموجودات التراثية عبثا إنما وليدة قرون ماضية منذ إنشاء هذه المدينة العام 1815 ميلادي ولغاية يومنا هذا .
 
تراث المدينة
الحاج تحسين من سكنة المدينة يقول: ان تراث المدينة الزاخر بالشواهد التاريخية اصبح علامة لعدد من الحرف التي امتازت بالدقة في العمل ومهارة في الصنعة ومسحة من الجمال وذوق في التنسيق، مشيرا الى ان من بين هذه الشواهد والتي ما يزال بعض مستخدميها يقبلون على المدينة من مناطق بعيدة كالبصرة والسماوة ويطلبون السجاد او البساط اليدوي والذي يتميز عن باقي السجاد بتناسق الوانه وهناك انواع منها الحياوي والسويطي  والبزون نسبة لال بزون والركم وابو سيفين الذي تميزت به هذه المدينة وحياكة ( الازر ) وهي عبارة عن اغطية صوفية تستعمل بدلا من البطانية لوفرة الصوف المصنوع منه ما ساعد على التدفئة في الشتاء القارس او صناعة العباءة الرجالية المسماة بالعباءة الحياوية التي تنافس جميع المحافظات العراقية وحتى العباءة النجفية التي تتميز بدقتها المتناهية حيث يصل وزنها الى بضعة غرامات ويمكن ان تضعها في علبة الشوكولاته او قدح الماء .  واوضح ان هناك صناعات شعبية اخرى تتميز بها هذه المدينة ويحتاجها البدو الرحل مثل حياكة شعر الماعز لصناعة بيت البدو الرحل وصناعة ( الطرك ) و ( العدل ) و(الخرج ) وهو كيسان متلاصقان يصنعان من الصوف ويستعمله البدو بملئه بالمواد المستخدمة لديهم ويوضع على ظهور الابل  اضافة الى صنع سروج الخيول. يقول علي سعيد من سكنة المدينة، ان خطر اندثار الصناعات الشعبية في مدينة الحي يهدد بانقراض هذا الفولكلور ،تعلمت المهنة من ابي الذي بدوره تعلمها من جدي لانه في هذه المهنة منذ اكثر من 70 سنة والتي تمتاز بدقة العمل وفن الصنعة كما هو الحال في صناعاتنا التي تشمل صناعة السلاسل والمحراث والمسحاة والمنجل  التي تستعمل في الحراثة والزراعة وهي صناعة تعتمد على الفن والدقة اضافة الى الجهد العضلي . واضاف سعيد ان عملنا جيد ومطلوب في جميع مناطق الرفاعي والشطرة والديوانية واحيانا في البصرة الا ان دخول المكننة اثر في عملنا بشكل واضح لكن ظل الطلب على هذه الصناعة ولكن ليس بشكل واسع . وتابع  يعمل ابن عمي ( شداد ) في حرفة اخرى ولكنها في الخشب وهو فنان ومبدع في الاعمال الخشبية وقد امتازت اعماله بمزج الحداثة مع الاصالة حتى اعطى لاعماله رونقا ونكهة تذهب بك الى الماضي البعيد كما هو الحال في صناعة ( ميز الطعام ) فيقوم بصناعة الارجل بزخرفة تعيدك الى الماضي و ( القبلمة ) من الطراز المتوسط اما سطح ( الميز ) فيكون من النوع الحديث وهذا العمل يحتاج الى وقت وبراعة في العمل قلما يصنعه النجارون في زمننا هذا كذلك يقوم بصناعة المرواح والفدان ( عبارة عن محراث خشبي يجر بواسطة الحيوانات ) و صناعة ( الزو) المستخدم في جز الصوف و(البلهم) وهو غطاء يوضع على أفواه صغار الحيوانات ليمنعها من الرضاعة وذلك استعدادا لفطامها ويضيف على الجميع العمل من اجل  الحفاظ على هذه الحرف لأنها تمثل تراث وتاريخ المدينة والكثير من الصناعات اندثرت وصارت منسية وان المتبقي منها يجب الحفاظ عليه من اجل جعلها سمة تأخذ بين الحديث والماضي. وبين ان الصناعات الحرفية في مدينة الحي تجمع الكثير من سمات وطبائع الأقوام المتنوعة التي تعيش فيها ، وهذا هو اكثر واجمل ما يميز المدينة ويجعلها تبرز عن قريناتها من محافظات البلاد .

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان