حوارات وتحقيقات

الدراجات النارية.. ضرورة حتمية ومخاطر لا تنتهي!! "البزون وعبد الحليم" يتنافسان على خدمة المواطن وقتله!!

بغداد/ فهد شاكر المياح

 

لم يدر “عيسى” ان الحادث الذي تعرض له, وأدى الى خسارته لخنصر قدمه اليسرى, سيحوله الى أشهر ميكانيكيّ الدراجات النارية,  بمنطقة بغداد الجديدة. عيسى ذو العشرين ربيعا, مازال يتذكر لحظات الحادث المروع الذي أرقده في الفراش طوال عام كامل,  صاحب الحكاية, اكفهر وجهه, ولم تنكشف اساريره الا بعد ان أشعل سيكارة, وعب من دخانها ملء رئتيه, وارتشف من قدح الشاي خاصته, رشفة, ليبدأ  بعد ذلك بسرد حكايته.

يقول “عيسى جلوب البديري”20 عاما, وصاحب ورشة لتصليح الدراجات النارية : (قبل ان اكمل عامي الثاني عشر, اشترى والدي دراجة من نوع “ياماها” من ذوات سرعة 60كم في الساعة, وفي ظهيرة يوم تموزي, عاد ابي الى البيت قادما من سوق بغداد الجديدة, حيث يعمل, وفي ذلك اليوم لم يستخرج مفتاح تشغيل الدراجة منها,  كما يفعل في كل مرة, الامر الذي حفزني على سرقتها دون ان يعلم, متخذا في الوقت ذاته, من قرقعة “مكيف” الهواء غطاء لصوت محرك الدراجة, بعد ذلك اعتليت صهوة الدراجة وادرت مكبس الوقود المستدير نحو الاسفل, فأنطلقت بأقصى سرعتها, وحين اردت ايقافها, باءت جميع محاولاتي بالفشل, نتيجة عطل بمكبس الوقود, حيث علق على اعلى درجاته, وبقيت على ذلك حتى بلغت شارع حيفا الرئيس, حينذاك اوشكت احدى المركبات المارة في الشارع, على صدمي, الامر الذي حتم عليّ ان  انعطف بدراجتي نحو الرصيف,  ولم اتوقف حتى ارتطمت ودراجتي بواجهة احد  افران انتاج الصمون الحجري, الامر الذي ادى الى قطع خنصر قدمي اليسرى في الحال, ورأس البنصر ايضا اضافة الى تهشم الرباط الصليبي) ويسترسل: (بعد ذلك اليوم المشؤوم, ابتعدت كليا عن قيادة الدراجات النارية, وخلال فترة النقاهة التي قضيتها بعد الحادث. تعلمت وبشكل سريع “ميكانكيات” الدراجات النارية, حيث كان والدي يوكل اليّ, مهمة صيانة دراجته وتصليحها, اضافة الى دراجة اخي الذي يكبرني بثلاثة اعوام, وقبل اربع سنوات تقريبا افتتحت الورشة خاصتي, لصيانة وتصليح الدراجات النارية).

سباقات المراهقين..حكاية لاتنتهي!!

ونحن نسترق السمع لـ”عيسى” اثناء سرده لحكايته, شتت تركيزنا, صوت, يشبه الى حد كبير, صوت وابل من الرصاص اثناء اطلاقه. ورويدا رويدا, اقترب مصدر ذلك الصوت منا, فتبين لنا في اخر المطاف, انه صوت دراجتين ناريتين, من دون العادم”الصالنصة” يعتليانهما, مراهقان, بانت على اديم وجهيهما, اثار لهيب شمسنا الحارقة, بعد ذلك ترجل احدهما وهرول نحو “عيسى” طالبا منه ان يصلح دراجته, وبأسرع وقت ممكن. فسألنا “وارث” الذي رفض ان يبوح لنا بعمره, عن سبب عجالته, فقال: (انا وصديقي, استأجرنا هاتين الدراجتين من “حمودي ابو رويس”  صاحب ورشة تصليح وايجار الدراجات النارية, في الساعة الثامنة صباحا, وكان من المقرر ان نرجعهما اليه في الساعة التاسعة, وبسبب صديقي الذي شاكسني اثناء قيادتي, انقلبت بي الدراجة دون ان تصيبني بأي اذى, بأستثناء مصباح الدراجة الخلفي, الذي تحطم بالكامل, وقصدت هذه الورشة, لاجل تصليحها, خوفا من الغرامة التي يفرضها, عليّ المؤجر في حال ارجاعها وهي ترفل بعطلها). بعد ان غادر المراهقان,انبأنا مضيفنا وصاحب الورشة, ان هذا الامر ليس بجديد عليه, ففي اليوم الواحد تمر عليه اكثر من 10 حالات تقريبا. وبحسب قوله (عيشتي عل الزعاطيط)

شعاره (بدل التذمر..اشتري بزونة) 

من منطقة بغداد الجديدة’توجهنا الى ساحة بيروت بشارع فلسطين, وتحديدا في شارع الاطباء, الذي يربط بين جسر “ساحة مظفر” وجسر”بيروت”. هناك حيث محال بيع الدراجات النارية, واماكن تخزينها, وقبل ان نلتقي بأحد الباعة, التقينا بالمواطن “ابو مقتدى الجماسي” الذي توقف على مقربة منا, وهو يعتلي دراجته النارية. فأستعلمنا منه, عن سبب اقباله على قيادة الدراجة النارية, رغم مايحفها من مخاطر, فأوضح ان السبب الرئيس, هو الزحامات المرورية, التي لاخلاص منها وسرعة تأدية الواجبات التي تقدمها الدراجة النارية  وقال ايضا: (قبل عامين كنت املك سيارة من نوع “بيجو GLX” الا انني اقدمت على بيعها بعد ان ظهرت دمامل سوداء, في باطن قدمي, جراء استخدامي الامتناهي للفرامل وعازل التعشيق “الكلج” اضف الى ذلك, فأن الوقت والجهد الذي تحتاجه الدراجة اقل بكثير عن ذلك الذي تستنزفه مني السيارة, فسابقا كنت اخرج من البيت قبل السادسة صباحا, واصل بوقت متأخر, الى مديرية تربية الرصافة الثانية, حيث مكان عملي, لمسافة لا تزيد على7كم. اما الان, فبأمكاني الخروج بعد الساعة الثامنة). ويضيف: (اما من الناحية المادية, فالامر لايحتاج اكثر من الفي دينار يوميا, لذلك وبعد البون الشاسع الذي وجدته, بين السيارة والدراجة, فقد رفعت شعار “بدل الشتم والتذمر من السيطرات, اشتري دراجة “بزونة” مثل الدراجة خاصتي).ابو مقتدى, اكتفى بأبتسامة فاترة, وبضع كلمات,حين وجهنا له سؤالا (الا تؤمن بالقول المأثور “الماطور كتال صاحبه؟) فقال : (الحذر يقيك الضرر, ورغم ذلك الله الساترنة)

أسعار خيالية

في خضم تجوالنا بين محال بيع الدراجات, التقينا بزميل الدراسة “احمد ال صوينت” الذي ابتعد عن الاعلام ومتاعبه, وتسنم مهام أدارة شركة استيراد الدراجات النارية, التابعة لوالده, احمد,أوضح ان سعر الدراجة, يرتبط بحجم محركها ومنشئها.واضاف ايضا: (اعلى سقف لاسعار الدراجات, يصل الى 5000 الاف دولار, اما الحد الادنى فهو 500 الف دينار عراقي, وهذا الامر مرتبط بشكل مباشر بانواع الدراجات, فذوات سرعة 60كم /س. تتراوح  أسعارها مابين 500 الى 850, الف دينار عراقي, اما الدراجة ذات السرعة العالية “البطحة” فسعرها قد يصل في بعض الاحيان الى حوالي 5000الاف دولار, اما بالنسبة لـ “الستوتة” فسعرها يتراوح ما بين 2,5مليون دينار,الى 1,5مليون دينار عراقي, وهناك انواع قد تصل زهاء 10 الاف دولار, الا اننا لا نستوردها ولا نتعامل بها, كونها مخصصة للمناطق الجبلية). وعن انواعها اجابنا احمد قائلا : (هناك انواع لاتحصى للدراجات النارية, منها “ابريو” والمعروفة ب”بطة” و”هوندا” وكنيتها “ذبانة” وجوك الصاروخ, والعصفوري “جوك بوش” وعبد الحليم. وجميع هذه الانواع ذات سرعة 60كم.وهناك “دولفين فراشة” ذات سرعة 140كم, وهي من انتاج كوري, اما بالنسبة للانواع الضخمة, اي ذات محرك يتكون من 4اسطوانات, فهناك “سوزوكي”حجم 400سي سي . والمعروفة شعبيا ب”القرش”والكاوسكي والهوندا. اضافة الى “سوزوكي باندا سياحي حجم 250, وياماها فضائي حجم 400 سي سي).

التسجيل المروري!!

وعن سؤالنا حول تسجيل الدراجات النارية في مديرية المرور,اجابنا “ابو كاظم الزاملي” الذي يعد من اكبر مستوردي الدراجات النارية بجانب الرصافة من بغداد.قائلا: ( في العام 2009 اصدرت مديرية المرور قرارا, اقتضى بموجبه تسجيل الدراجات, دون سنة الموديل بعام واحد,    وان تكون “زيرو”اي ان الدراجة ذات موديل2013, لاتسجل.كون “موديلها” قد مر عليه عامان. ونحن بدورنا نقدم للمشتري اوراق “الكمرك” و”المنفيست” ووصل الشراء,  مختوما بختم مكاتبنا. لكن اغلب المواطنين, يبتعدون عن تسجيلها, كونها عملية معقدة, ومضنية. هذا بالنسبة لذوات السرعة العالية و”الستوتة” اما الدراجة ذات سرعة 60كم, ففي العراق تعد من لعب الاطفال, وهي مخصصة للشوارع الخدمية لا الرئيسة. اما الدراجات اليابانية, فلايمكن تسجيلها, كونها من موديلات قديمة, لكننا نستوردها لرخص ثمنها, وسهولة نقلها الى العراق).

ومن هم زبائنكم.؟؟

زبائننا من مختلف الفئات العمرية, وسابقا, كان اهالي الموصل والانبار, هم زبائننا الدائمين, والدؤوبين على شراء كميات كبيرة من الدراجات, وبسبب الاحداث الجارية, بات امر وصولهم الى بغداد مستحيلا. اما في الوقت الراهن, فزبائننا هم منتسبو الجيش والشرطة, وموظفو الدوائر والوزارات.

ومن اين تستوردون بضاعتكم..؟

شخصيا, املك ترخيصا من الشركة المنتجة في الصين, اما بقية التجار, فيستوردون بضاعتهم من لبنان والشارقة في الامارات, واليابان, وايران. اما عن طرق نقلها, ففي السابق كان منفذ “الوليد” الحدودي خيارنا الاول, اما الان, فالامر منوط بميناء “ام قصر”

مفارقة من نوع اخر!!

قبل ان نشرع بمغادرة شركة”ابو كاظم” لفتت انتباهنا سيارته الفارهة, فأستعلمنا عن سبب ابتعاده عن اقتناء دراجة نارية, فقال: (بعد خالك الماطور جتال صاحبه..مارايد روحي..!) فسألناه ان كان يجد نفسه مسؤولا عن الارواح التي تزهق جراء حوادث الدراجات النارية, فأجابنا قائلا (انه شلي غرض..اكو حكومة..وهي المسئولة).

 

قد يهمك أيضاً