وجوه

فدوى طوقان في الذكرى المئوية لميلادها … "وها أنا يا أحبائي هنا معكم"

محمود مجادلة 

 

تقول الكيلاني، “كانت خالتي فدوى في الصف الرابع، عندما كانت في طريق عودتها من مدرستها، وقبل وصولها للمنزل، رمى أحد الفتية أمامها وردة، لم تلتقطها، وواصلت خطواتها الصغيرة للبيت”.لكن سرعان ما علمت العائلة بما حصل، وقررت حرمان الطفلة من الذهاب للمدرسة، فقد كانت واقعة الوردة، آنذاك، أمر يتنافى مع عادات المجتمع المحافظ وتقاليده”.

بقيت طوقان “سجينة” البيت، كما تشير كتاباتها، غير أن شقيقها، الشاعر الكبير، إبراهيم طوقان، الذي كان الأقرب لها، ساندها في محنتها، وشجعها على مواصلة التعليم الذاتي وكتابة الشعر، فنهلت منه الحنان والأدب.

ولم تأخذ الفتاة وقتا طويلا حتى لقبتها الأوساط الثقافية بـ”شاعرة فلسطين”، بفضل نصوصها التي مثّلت أساسًا قويًا للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على تقاليد المجتمع. وبلغت ابنة نابلس، درجة من التأثير على الشارع، دفعت الشاعر الراحل، محمود درويش، لتسميتها “أم الشعر الفلسطيني”. ومن ساحة المنزل العريق، قالت الكيلاني، “كانت تقف خالتي على هذه العتبات، وتلقي قصائدها، كانت تقول لنا، إنه بالرغم من حرمانها من مدرستها وإلقاء الشعر أمام الطالبات، إلا أنها تشعر، وهي تلقيها بالبيت، أن العالم كله يسمعها”. ويصادف العام الجاري، 2017، ذكرى مرور مئة عام على مولد طوقان، التي توفيت في 2003، عن عمر ناهز 86 عامًا.

وأضافت الكيلاني، التي تربت في ذات البيت الذي نشأت فيه خالتها، “لقد ولدت في نفس العام الذي شهد وعد بلفور، هذه كانت المفارقة في مولد شاعرة أحبت فلسطين، وأرّخت لها”. ومنذ مطلع العام الحالي، بدأت وزارة الثقافة الفلسطينية في تنظيم فعاليات، احتفالا بمئوية طوقان، ضمن مشروع أوسع يستهدف الاحتفاء بمئويات كوكبة من أدباء وشعراء هذا البلد.

وقال وزير الثقافة، إيهاب بسيسو، إنه عندما أرادت وزارته الاحتفال بمئويات رواد الثقافة والتنوير، قررت أن تكون المناسبة الأولى في عام 2017، تزامنا مع ميلاد طوقان. وأضاف بسيسو من مكتبه برام الله، “مع ميلاد الشاعرة طوقان نحتفل برواد الثقافة والتنوير في فلسطين، من شكلوا حالة من التأثير بشكل كبير من الفلسطينيين والفلسطينيات في مختلف النواحي”.

وشأنها شأن العديد من أبناء جيلها، لا يُعرف يوم ميلاد طوقان على وجه الدقة، نظرا لعدم اعتماد التوثيق الرسمي للبيانات الشخصية وشهادات الميلاد آنذاك. إلا أن والدتها كانت تقول لها إنها أنجبتها في موسم “العكوب”، وهو نبتة شوكية جبلية، يشتهر أهالي نابلس بطهيها، ويصادف موسمها بداية فصل الربيع.

وعن التكريم الرسمي، تقول ريما الكيلاني، “كعائلة، نعتبر بدء وزارة الثقافة مشروع المئويات بفدوى طوقان، فخرا كبيرا لنا (…) ودائما نقول إننا سعداء بأن يُحتفى بمولدها لا أن تُبكى لرحيلها”. وأشارت إلى أن فعاليات “مئوية” الشاعرة طوقان، افتتحت بإطلاق طابع بريدي يحمل صورتها بالتعاون مع وزارة الاتصالات والتكنولوجيا، ليوضع على الرسائل التي تخرج من فلسطين إلى مختلف أنحاء العالم. ورأت الكيلاني أن ذلك “يذكّر العالم بأن فلسطين باقية ولا تنس أبنائها، خاصة أن فدوى لها إرث أدبي داخل فلسطين وخارجها، وتُرجمت أعمالها للغات مختلفة، وحصلت على جوائز عالمية، ودكتوراه فخرية”. تتجول عينا الكيلاني في زوايا البيت، ليستقر النظر لبضع لحظات باتجاه غرفة خالتها الراحلة، فتستطرد “فدوى للجميع وليست لنا وحدنا، سيرتها تعلّم منها جميع من عرفها، بصمودها وتحديها لهذه الجدران”. وعلى الرغم من القيود التي فُرضت على فدوى، إلا أنها كانت مصدر إلهام وقدوة لسلالة العائلة، خاصة الفتيات، بحسب الكيلاني. وهي تستحضر تاريخ خالتها، وتشير إلى زوايا المنزل، عادت مجددا إلى وصفه بأنه كان “سجنا”، تماما كما ذكرت طوقان في سيرتها المنشورة. وكتبت طوقان سيرة حياتها في جزأين، الأول “رحلة جبلية رحلة صعبة”، والثاني “الرحلة الأصعب”، واللذان عدهما بعض النقاد من “أجمل كتب البوح والاعتراف التي نُشرت في العقدين الأخيرين”.

ومن بين كل غرف المنزل أحبت الشاعرة الفلسطينية غرفة شقيقها إبراهيم، الذي ساندها في رحلتها الجبلية الصعبة، وكان حاضرا في أشعارها. وتشرح الكيلاني كيف كانت تغدق طوقان عليها وأطفال العائلة بالحنان، حيث تغني لهم وترقص، مع عزف العود الذي كانت تتقنه أيضا. ومما يُرسخ فخر أطفال العائلة بملهمتهم، أن منهج الفصل الدراسي السابع يحتوي احدى قصائدها، المعنونة بـ”حريتي” ويأتي في مطلعها “صوتٌ أرددهُ بملء فم الغضبِ / تحت الرصاص وفي اللهبِ”. وعن ذلك تقول ابنة شقيقتها، “كنت أشعر بنشوة وفخر كبير بين الطالبات، أنني أعرف هذه الإنسانة، أعرف تفاصيلها، ماذا تأكل؟ ماذا تلبس؟ وأين تنام؟…إلخ”.

وعن علاقة والدتها “أديبة” بشقيقتها فدوى، قالت الكيلاني، “كانت أمي أقرب الأخوات إلى قلب خالتي، ففدوى الابنة السابعة، وأديبة الابنة الثامنة، وكان بينهن اتفاق بأن تسمي كل واحدة ابنتها باسم الأخرى”. وبالفعل تزوجت “أديبة” وأسمت بكرها “فدوى”، أما الشاعرة فلم تتزوج، لكنها كانت تقول دائما لشقيقتها، “أنا لم أحنث بوعدي، لكني أنجبت لك الأدب كله”. ومن إصدارات طوقان الشعرية “وحدي مع الأيام، وجدتها، أمام الباب المغلق، الليل والفرسان، على قمة الدنيا وحيدا، تموز والشيء الآخر واللحن الأخير”. أما من نصوصها النثرية، “أخي إبراهيم”، الذي تروي فيه أفضاله عليها.

قد يهمك أيضاً